الأربعاء، 22 يوليو 2015

ما وراء الاحتجاج السوداني الأخير على جوبا!

اضطرت الحكومة السودانية مؤخراًَ لاتخاذ موقف أكثر تشدداً في مواجهة الحكومة الجنوب سودانية، فقد استدعت الخارجية السودانية سفير جمهورية جنوب السودان، السيد (ميان دوت) وأبلغته احتجاجاً رسمياً من الحكومة السودانية على أمرين جوهريين ظلت الخرطوم تكتوي بنيرانهما من جارتها الجنوبية؛ الأمر، الاول الدعم الواضح والصريح الذي ظلت حكومة جوبا تقدمه للحركات السودانية المسلحة التي تنشط ضد الخرطوم.
الأمر الثاني الحملة الإعلامية السالبة التي تشنّها الصحف ووسائل الإعلام الجنوبية المقربة من الحكومة الجنوبية. مدير إدارة شئون جنوب السودان بالخارجية السودانية، السفير (عبد الله حسن عيسى) أبلغ الصحفيين أن الاحتجاج السوداني يستند إلى القوانين والمواثيق الدولية، وضرورة أن يلقى الاحترام من الحكومة الجنوبية، مشيراً إلى أن جوبا في هذا الصدد لا تراعي مقتضيات حسن الجوار ولا تهتم بخصوصية العلاقات بين الدولتين.
هذا التطور الذي جرى في خواتيم شهر رمضان المنصرم يؤشر إلى أمر بالغ الأهمية فى مسار علاقات الدولتين الجاريتين؛ وإذا ما أردنا أن نختصر هذا التطور بإمكاننا أن نقول إن الخرطوم في الحقيقة بدأ صبرها ينفذ حيال تصرفات جوبا وهي تصرفات يصعب السكوت عليها.
وبطبيعة الحال فإن جوبا من جانبها لم تكن تبدي كثيراً من الاكتراث لهذا المسلك السالب من جانبها تجاه الدولة الأم، ولكن من المؤكد أن في ثنايا هذا الاحتجاج الأخير ربما لمست جوبا أن عليها أن تعيد قراءة موقفها وأن تبدأ فعلياً في إيلاء الأمر اهتماماً جاداً، إذ أن الخرطوم التي احتملت ما استطاعت احتماله في السنوات الأربع الماضية ربما استقر قرارها هذه المرة على مواجهة الموقف بحسم وحزم.
ولا شك أن السودان وفى سياق توجهه باتجاه وضع حد لهذه الانتهاكات الجنوبية يملك عدداً من الخيارات والأوراق المؤثرة لسنا هنا بصدد تقليبها والإفصاح عنها صراحة، ولكن من الممكن أن نتلمس بعضاًَ منها بدرجة ما.
أولاً، من المفروغ منه أن السودان قادر على فعل ذات الشيء جرياً على القاعدة القانونية المتعارف عليها في القانون الدولي، وهي المعاملة بالمثل. وربما كانت ولا يزال للسودان حساباته في هذا الصدد كونه لم يفعل نفس الشيء طوال الفترة الماضية، ولكن في نهاية المطاف فإن مقتضيات حماية الأمن القومي لأي بلد في العادة تتفوق على أية اعتبارات أو أي حسابات أخرى.
ثانياً، هناك العديد من الاحتياجات الجنوبية الأساسية التي تحصل عليها جوبا بانتظام من الخرطوم، وربما لا يتسع المجال هنا لإيرادها تفصيلاً ولكن من المؤكد أن جوبا تدرك بشدة خطورة توقف هذه الاحتياجات عنها. وهذه الورقة ذات الطابع الاستراتيجي المؤثر ما من مانع يمنع نزولها إلى مائدة اللعب في الوقت المناسب، وإذا حدث وأن اضطرت الخرطوم لإنزال هذه الورقة على المائدة فإن الأوان يكون قد فات ولن يكون بوسع جوبا سوى إطلاق الصرخات غير المجدية.
ثالثاً، ربما نظر السودان أيضاً إلى المجتمع الدولي المتحامل عليه أصلاً وأوصل له رسالة معبرة فحواها أن جوبا لم تكتف باللعب بالنيران داخل غرفتها الخاصة ولكنها تسعى لإشعال المنطقة بأسرها. وفي العادة فإن المجتمع الدولي الذي يرى العبث الجنوبي الداخلي ويتحسر عليه لن يحتمل اتساع نطاق الحريق، خاصة وأن مجلس الأمن الدولي هدد مراراً وتكراراً باتخاذ تدابير قاسية حيال القادة الجنوبيين المتصارعين.
السودان بهذا الاحتجاج إنما يلفت انتباه المجتمع الدولي إلى خطورة اللعب الجنوبي وهي على أية حال قضية استحوذت تماماً على أعضاء مجلس الأمن الدولي وما تزال تشغل بالهم.
وعلى العموم فإن السودان حتى هذه اللحظة ما يزال يأمل أن تنظر جوبا بعين الاعتبار إلى العلاقات الإستراتيجية بين البلدين وأن تقرأ بعمق مختلف هذه المرة، فحوى الاحتجاج الأخير، فهو جد مختلف هذه المرة وله تبعاته ومآلاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق