الأحد، 3 أبريل 2016

مُسودة أمبيكي.. المُمكن والمُتاح!

عصام الحسين

 مياه كثيرة جرت تحت الجِسر ونحن مُنشغلون بقضايا الفِكر.. وكنا نتتبع كل المُجريات ونطمئن حيالها إلى مداد يُسكب وأقلام تشتجِر.. لذلك آثرنا تحاشي التِكرار ومضينا نبيّن كيف تكون المُعالجات لكثير من الشواغل بألباب الفلاسفة والمُتفكرة، لا بأدمغة الساسة التي تحُوم حول الحُلول ولا تقع عليها أو تتعثر على أعتابها.. لكن الذي أعادنا إلى شواغل السياسة هو مُحاولة ربط المُمكن بالمُتاح.. والمُتاح هو خارطة طريق الآلية الرفيعة برئاسة ثابو أمبيكي لأطراف المُلتقى التشاوري المُختتمة اجتماعاته بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا في الثلث الأخير من مارس المُنصرم. أما المُمكن فهو ما نُخصص له مقُولنا التالي. 

 تحولات جمّة سبقت جولة المباحثات التشاورية الأخيرة وألقت بظلالها على مُخرجاتها المتمثلة في توقيِّع الطرف الحكومي على مُسودة خارطة الطريق في ظل إصرار بقية الأطراف على عدم التوقيع.. ومن هذه التحولات وفاة الشيخ الدكتور الترابي ـ عليه رحمات الله تتنزل ـ وما تلاها من انتكاسة وبوادر وفاة إكلينيكية للمنظومة الخالفة، ومن التحولات كذلك تكوين تحالف جديد تحت اسم تحالف قوى المُستقبل للتغيير برئاسة الدكتور غازي صلاح الدين وما صاحب هذه الخطوة من «همس» للناظرين لهذا الجسم من زاوية وُحدة الصف المُسلم و«جهر» للناظرين له بأنه محاولة لعزل اليسار السوداني عن ساحة ساس يسوس. أما التحوّلات المتعلقة بدنو أجل الحوار الوطني وانتظام لجانه في صياغة المُخرجات فكانت هي الأعظم أثراً على الجولة التشاورية الماضية، وذلك على خلفية الانشغال بالتغيير الذي قد يطرأ على مُؤسسة الرئاسة باستحداث منصب رئيس وزراء بصلاحيات واسعة. ولا يستقيم تجاهل التحولات العسكرية المتمثلة في مصير حركة عبد الواحد في جبل مرة وهو المصير ذاته الذي لاقته حركة العدل والمساواة في قوز دنقو، وانقسام الجبهة الثورية على خلفية الرئاسة «جبريلية / عقارية»، بجانب التحولات التي لازمت هذه الجولة والمتمثلة في مصير الحركة الشعبية بجنوب كردفان جراء ما تشهده المنطقة من حراك عسكري هو الأعنف من نوعه. 

 انطلق اللقاء التشاوري، في حضور هذه التحولات مما أكسبه الزخم والتسابق المحموم، فكان موقف الطرف الحكومي ممانعاً لأي تشاور تحت مظلة الجبهة الثورية أو قوى نداء السودان وكأنه يقول: إن رضيتم فهذا «أي التفاوض» وإن أبيتم فهذا «أي الحسم العسكري».. الغريب أن هذا الموقف أربك الأطراف المعارضة، إذ جاء ردها على خطاب أمبيكي تحت عنوان «نحن المدعوون للاجتماع ومعنا القوى السياسية الأُخرى» وذلك بعد اعتراض مناوي على مقترح الصادق المهدي بإيراد اسم نداء السودان في الرد.. كما أن المُحير أن ما تضمّنه رد المدعوين للاجتماع على خطاب أمبيكي لم يخرج عما جاء في مسودة خارطة الطريق التي وقّع عليها الطرف الحُكومي، إذ تضمنت تأكيد المعارضة على مبدأ الحوار لتحقيق سلام شامل ووقف العدائيات وفتح المسارات الإنسانية لتمرير الإغاثة، فلماذا إذن رفضت بقية الأطراف التوقيع على المسودة؟

 هؤلاء الساسة متذبذبون.. ولم تكُن مواقفهم حيال مسودة أمبيكي ثابتة.. خذ مثلاً حزب الأُمة القومي إذ أعلن رئيسه الصادق المهدي في بيان مشترك مع بقية الأطراف المُمانعة أن التوقيع يتسبب في إعادة إنتاج الأزمة، وبعد عودته للقاهرة قال إن بعض ما حملته المُسودة يحتاج إلى علاج، ثم اعتبرت مريم الصادق خارطة الطريق فضيحة وتضُر بمُقررات مجلس السلم والأمن الأفريقي، قبل أن يُعلن الجهاز التنفيذي للحزب عن إمكانية التوقيع على المُسودة إذا أُدخلت عليها بعض التعديلات.. الحركة الشعبية دارت على غرضٍ مُناقض إذ أعلنت عدم التوقيع في أعقاب الهجمة العسكرية التي استهدفت معاقلها، أو قل كرد فعل لذلك.. حركة العدل والمساواة رفضت التوقيع بناءً على موقف جبريل الذي وصف أمبيكي بساعي البريد، إلا أن بعض القادة ومنهم أبو بكر حامد نور رفضوا مبدأ عدم التوقيع مما يدُل على أن الحركة ليست على قلب رجل واحد.. حركة مناوي فضّلت الاتجاه إلى منبر الدوحة وجاء موقفها الرافض للتوقيع موائماً للبيان المشترك.. الجبهة الثورية جناح جبريل أعلنت عدم استجابتها لأي ضغوط في هذا الشأن. وبالنظر إلى كل هذه المواقف يتكشف مدى البؤس الذي ينتظم هذه الأطراف المُعارضة والتي لا ترى للأزمة حلاً إلا بالبندقية، وهذا الحل لا توفره مُسودة خارطة الطريق التي تنحو نحو تحقيق السلام وإنهاء معاناة المواطنين. وهذا دليل إضافي على فشل هذه الأطراف في الثبات على موقف واحد وهي مُتفرقة، فكيف يكون الحال إن كانت مُجتمعة؟

 بإجالة النظر في هذه المشاهد، تتكشف لأولي الألباب الحُجبُ، أما الذين ينتظرون الإبانة فلست أجد غير إحالتهم إلى التوقُعات المُمكنة التالية، والمتمثلة في الضغوط المُحتملة على جميع الأطراف المُمانعة بُغية إرغامها على التوقيع.. أما الذين يُمارسون هذه الضغوط فهم الذين تأملوا في المشهد، فوجدوا أن غياب الترابي ومُخرجات الحوار الوطني تجعلان من الصادق المهدي رجل دولة بصلاحيات واسعة.. كما وجدوا أن نهاية الحركة الشعبية جراء هذه الهبّة الأخيرة ونهاية حركة عبد الواحد بعد معارك جبل مرة ونهاية حركة العدل والمساواة بعد قوز دنقو تعني نهاية الحركات المسلحة.. الذين تأملوا وجدوا أن مسودة خارطة الطريق هي طريق البداية.. المُفضي إلى النهاية التي ترومها الجهات الضاغطة.. فهل ننتظر غير هذه النهاية؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق