الاثنين، 4 أبريل 2016

السودان وأوربا… تطور فى العلاقات ومرحلة جديدة

شهدت العلاقات السودانية الأروبية فى الفترة الأخيرة تطورات متسارعة والتقدم الى الأحسن وتضع مستويات التواصل الآخذة فى التعمق بين الطرفين علاقاتهما على أعتاب حقبة جديدة كليا.
فالأولويات بالنسبة للطرفين تغيرت كثير عن تلك النظرات المتبادلة طوال الحقبة التى العقود الاخيرة، فالصراعات وموجات الهجرة غير المشروعة و”الإرهاب” قلبت نظرة الأروبيين الى السودان رأسا عن عقب.
بينما يرى السودان أن أروبا بات قوة يُحسب لها الف حساب على صعيد التكتلات الدولية الراهنة، فضلا عن وجود مشتركات بين الطرفين، حيث تعتبر الإتحاد الاروبى داعما رئيسا للتنمية فى شرق السودان و فى تقديم المساعدات الإنسانية كذلك.
على أن تحسن علاقات السودان بأروبا، كمنظومة، قد أثار فى المقابل حفيظة بعض المجموعات من المنظمات غير الحكومية المعادية للسودان، والتى ظلت تراهن على إستمرار القطيعة بين الدول الغربية والسودان و كذلك تكريس صورة زائفة عن السودان كبلد “مأزوم” يجب معاقبة واسقاط نظام حكمه ودعم المجموعات المتمردة فيه، وما الحملات الاعلامية التى تقوم بها بين الفينة والاخرى مجموعات ضغط وشخصيات محسوبة عليها إلا دليل على القلق والخوف الذى يستبد بهذه الاطراف.
فالرأى العام الاروبى بات يركز على قضاياها الداخلية ويقل حماسه لتأييد القضايا التى تبدو خاسرة الى حد كبير، كما هو التمرد فى السودان.
دواع التغيير
بنظر المراقبين، هنالك عدو عوامل دفعت بالأروبيين الى تغيير طريقة تعاملهم ونظرتهم تجاه السودان و التى كانت لعقود تقوم على العقوبات وفرض العزلة والحصار والمقاطعة الإقتصادية ومن هذه العوامل: أولا، تحرر الاروبيين من التبعية للسياسية الخارجية الامريكية والتى قادت العالم الى مرحلة الفوضى خاصة بعد غزو العراق وأفغانستان بشن حروب إستباقية تهدد بمزيد من الإضطرابات.ثانيا، الموازنة بين أفضلية وجود دول مركزية تنهض بمهام ضبط الامن وإرساء الإستقرار والسيطرة على الحدود وبين دعم مجموعات متمردة يؤدى دعمها الى تداعيات خطيرى على مصالح أروبا. ثالثا، فقدان خطاب مجموعات الضغط المعادية للسودان للمصداقية وتجاهله من قبل صناع القرار، حيث بات يعتقد أن نشاط هذه المجموعات التى ظلت تمارس تمارس التضليل والتعبئة المتحيزة ضد السودان وتتحالف مع حركات التمرد مطلقا وأن ذلك قد أضر بأروبا كثيرا.
“قوارب الموت”
أحدثت قضية الهجرة نحو اروبا والتى تصاعدت وتيرتها مع تدفق “قوارب الموت” عبر البحر الابيض المتوسط، تحولا جوهريا فى علاقات الاتحاد الاروبى والسودان، حيث فرضت الأجندة المرتبطة بالهجرة واقعا جديدا يأخذ فى الإعتبار الأدوار التى يمكن لمختلف الدول التى تعتبر مصدرا للهجرة فى المنطقة أن تقوم بها يدا بيد مع أروبا.
وكان لموقع السودان الجغرافى عاملا حاسما فى جعله بلداً مركزياً فى بنية الرؤية الأروبية الجديدة لضمان محيطها، حيث يقع السودان على مقربة من القرن الافريقى عند حدوده الشرقية، التى يتدفق عبرها آلالاف هربا من الأوضاع المزرية التى يعشونها فى بلدانهم الى ليبيا-حيث الفوضى تضرب أطنابها- وصولا الى أروبا عبر المتوسط.
وكذلك يقع السودان فى حدوده الغربية الى جوار ليبيا وجنوب الصحراء الكبرى والتى تعتبر موئلاً للهجرة غيرالمشروعة نحو اروبا فى الوقت الراهن، ومع إنهيار نظام القذافى فُرض ذلك ضرورة إنفتاح اروبا على السودان، ومن هنا كان ما عرفت بـ”عملية الخرطوم” مدخلاً للتعاون بين السودان والاتحاد الاروبى ليس الدول الاروبية كُفرادى.
وجاء إطلاق “عملية الخرطوم” المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفريقي على لسان وزير الخارجية الايطالي فى (28 نوفمبر 2014) بهدف إيجاد خطة مكافحة أسباب وتبعات الهجرة غير الشرعية وقد تم ووضعت أسسها على هامش ” المؤتمر الاقليمى الاول لمكافحة الاتجار بالبشر فى القرن الافريقى” والذى عُقد بالخرطوم فى (أكتوبر 2014).
“عملية الخرطوم” هى خطة مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي وعشر دول افريقية من دول القرن الأفريقي التي ينطلق منها سنويا عشرات الألوف من المهاجرين غير الشرعيين وكذلك بلدان المعبر.
حقبة جديدة
كان للتطورات الأمنية والفراغ الذى أحدثه تدخل حلف (الناتو) لإسقاط نظام العقيد القذافى دور فى زعزعة الإستقرار فى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، فضلا عن زعزعة إستقرار فى الصحراء الكبرى ومنطقة حوض بحيرة تشاد وما وراءهما.
وقد ألقت تلك العوامل بظلالها على الإستقرار فى اروبا مع تزايد موجات اللاجئين الذين يشقون عباب البحر الأبيض نحو أروبا حيث نشطت شبكات تهريب الأشخاص مع غياب حكومة مركزية فاعلة فى ليبيا.
أخذت أروبا تتبنى سياسة تقوم على المساعدات الاقتصادية والمعونات وإنعاش المجتمعات المحلية كوسيلة للحد من التهديدات الكامنة كالعنف وتهريب الاشخص والإتجار بهم والنزاعات المسلحة، والانخراط فى عمليات الغوث والمساعدات الانسانية فى حالة الاوضاع الطارئة.
أرضية جديدة
بات السياسية الخارجية والمواقف الأروبية فى الراهن أكثر ميلا نحو تفضيل خيار التواصل الديبلوماسى مع السودان والبحث عن أرضية جديدة بما يعزز مصالح أروبا فى خضم التنافس بين القوى الدولية التقليدية وتلك القوى الصاعدة من جهة والولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى.
فمستويات الزيارات رفيعة المستوى بين السودان والاتحاد الاروبى باتت تأخذ مسارا تصاعديا، ففى الفترة بين(16 – 18 فبراير) قام وزير الخارجية البروفيسور ابراهيم غندور بزيارة الى مقر الاتحاد الاروبى حيث التقى فيديريكا موغيريني، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية، وكريستوس ستايليانيدس مفوض الاتحاد الاوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، وديميترس افراموبولوس مفوض الهجرة والمواطنة والشؤون الداخلية.
وقال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان السفير توماس يوليشني فى بيان صحفى عقب الاعلان عن زيارة الوزير غندور لمؤسسات الاتحاد الأوروبي بانها “ستمهد الطريق لحوار سوداني أوروبي دائم”.
كما وصف يوليشني إن الزيارة بأنها (خطوة في الاتجاه الصحيح للعلاقات الأوروبية السودانية وستفتح الباب لفهم أفضل للسودان والمنطقة وإتاحة الفرصة لاستكشاف مجالات جديدة للتعاون، تشمل الهجرة والوقاية من التطرف وتغيُّر المناخ)، فضلا عن موضوعات، حقوق الإنسان والديمقراطية، والهجرة، وتغير المناخ.
وقد كشف يوليشنى أيضا أنه (في عام 2016، هناك 68 مشروع تنموي وإنساني تقدر قيمتها بأكثر من 150 مليون يورو بدعم من الاتحاد الأوروبي يتم تنفيذها من قبل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمنظمات السودانية غير الحكومية).
إنفتاح كبير
إذن، يمكن القول أن التحسن المطرد فى علاقات السودان بالدول الاروبية تسير فى مسارات متعددة: على مستوى “الاتحاد الاروبى” كجسم قارى ودولى وكذلك مع على مستوى العلاقات الثنائية مع عدد من الدول، والأهم انها تقوم على برامج عمل واضحة.
وتعتبر ألمانيا من أكثر الدول نشاطا فى تطوير القنوات الديبلوماسية مع السودان، والى حد ما فرنسا، وهناك العلاقات مع دول شرق أروبا، حيث قام وزير الخارجية غندور فى مارس الجارى بزيارة الى بولندا فى زيارة تعتبر الأولى لوزير سودانى الى ذلك البلد منذ اربعين عاما.
خلاصة القول، تعيش السياسية الخارجية للسودان بمرحلة يمكن وصفها بأنها مرحلة “الإنفتاح الكبير”، ويضعها فى حقبة جديدة كليا، فى الوقت الراهن يسيطر السياسة الخارجية لأروبا عاملين أثنين هما: موجات المهاجرين الذين يتدفقون نحو أروبا مهددين الإستقرار الإقتصادى والاجتماعى مع صعود جماعات اليمين المتطرف المعادية للمهاجرين. وأما العامل الثاني، هو تهديد الإرهاب، فتنظيم “الدولة الاسلامية” الذى بات يضرب فى قلب اروبا ناشرا بذلك مشاهد وموجات من الخوف الجماعى لم يكن المواطن الاروبى منذ الحرب العالمية الثانية يعرفها سوى على شاشة التلفاز!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق