الثلاثاء، 8 مارس 2016

المعرقل الأخطر لمخرجات الحوار الوطني!


للمفارقات المذهلة، فإن المخرجات الخاصة بمشروع الحوار الوطني -وهي بلا شك عالية الأهمية والقيمة- تتعرض الآن لمخاطر من قبل القوى السياسية المعارضة التي كان وما يزال من المفترض أن (تستفيد) منه فائدة تاريخية قصوى. بمعنى أدق فإن المخاطر على عدم تنفيذ هذه المخرجات لم تعد مشكلة خاصة بالحكومة السودانية أو الحزب الحاكم .
المخاطر جاءت (من حيث لا يحتسب أحد) من خصوم الحكومة! ولكي نفصِّل الأمر فإننا نشير إلى: أولاً، كثرة الحديث عن حكومة انتقالية أو حكومة وفاق وطني أو حكومة قوية أياً كانت المسميات. كثرة الحديث عن الحكومة أياً كان شكلها يقضي على هدف مشروع الحوار قضاء مبرم، إذ أن الذهنية السياسية للقوى المعارضة خاصة التى قاطعت عملية الحوار منصرفة تماماً وبإندفاع غريب باتجاه إسقاط الحكومة ووراثتها!
وهي ذهنية للأسف الشديد مردها إلى ثقافة اكتوبر 1964، تلك العقدة السياسية الأشهر فى التاريخ السياسي السوداني المعاصر حيث أصبح الهم هو إسقاط الحكومة ثم تشكيل حكومة انتقالية تنشغل بالقضاء على آثار الحكومة السابقة ثم تقوم انتخابات عامة وتفوز أحزاب بعينها بمقاعد الحكم ثم تبدأ المناورات والمخاصمات والمحاصصات. ثم تسقط الحكومة التعددية وينشأ حكم مختلف ثم يحدث الأمر مرة أخرى (بإستعادة عقدة اكتبر1964) ذاتها!
فكما هو واضح إن ذهنية اكتوبر المرتبطة بجيل اكتوبر الذي ما يزال -بعد كل هذه السنوات الطوال- موجوداً في الساحة السياسية تواقاً للسلطة، هي ذاتها الذهنية السائدة الآن حيال مشروع الحوار. الكل يريد عودة اكتوبر ولهذا فإن لم يجدوا شيئاً من ذلك داسوا على مخرجات الحوار و أعادوا الجميع إلى مربع الأزمة الأول، وهو ما بدأ يتضح الآن جلياً.
ثانياً، كثرة الادعاء بتزوير أو تغيير المخرجات، وهو تكتيك (التشكيك) الذي بدأت الآن أولى طلائعه تظهر مع أن كل مشروع الحوار بكل تفاصيله ووقائعه وبكل مضابطه مسجل وموثق من قبل أطراف غير حزبية ومحايدة وحرصت آلية 7+7 والحكومة نفسها على توثيق الأمر بدقة لكي تقطع الطريق -بالوثائق الدامغة- على أية متشكك.
وما من شك أن المخرجات بها ما لا يوافق هوى البعض، وبها ما يتوافق مع أطروحات الحكومة، وبها ما يحتاج إلى توافق شامل، وكل ذلك أمر طبيعي حين تتحاور قوى عديدة وتتناقش حول أمور إستراتيجية بالغة الأهمية تخص بناء الدولة السودانية وتؤسس لها المستقبل.
ثالثاً، إصرار بعض القوى السياسية والمسلحة على المضي قدماً لإسقاط الحكومة، وتكوين التحالفات (نداء المستقبل) حتى قبل بلورة الرؤى الأخيرة للحوار! المفارقة هنا أنك وما دمت سياسياً مؤثراً وتستطيع بناء تحالف عريض وقوي ومؤثر يتكون من 40 حزباً قوياً لماذا لم تحشد هذا التحالف في قاعة الحوار الوطني وتفرض رؤاك وأجندتك طالما أنك بهذا القدر من القوة والتأثير؟ بل إذا كانت لك كل هذه القوى السياسية وقادر على هذا القدر من التحالف المؤثر لماذا لم تنجح -قبل مشروع الحوار- في إسقاط النظام بقوتك هذي؟
سؤال آخر يفرض نفسه، ما الحاجة إلى تحالف (أربعيني) وأنت حتى اللحظة لا تعرف مخرجات الحوار وما إتفق عليه المتحاورون؟ إذن -للأسف الشديد- فإن القوى السياسية المعارضة تثبت وبوضوح أنها لا تجيد انجاز الفعل السياسي الايجابي المفيد للدولة السودانية والمصلحة العامة ، فهي في وقت الأزمات (نعامة) تدفن رأسها في الرمال وتجيد (الجري) والهروب. وهي في أوقات الفرص التاريخية النادرة والسهلة (تتحول إلى أسد صهور) وترفض ما هو متاح أمامها ظناً منها أن هذه الفرصة التاريخية إنما قدمها النظام لضعفه وهوانه وقلة حيلته!
ويتناسى هؤلاء أن شعب السوداني أذكى من أن تفوت علي فطنته هذه التكتيكات غير الذكية. تكتيكات اللحظات الأخيرة التى لا تفيد، فالذين فوتوا فرصة الحوار الوطني -تعنتاً منهم- والذين فوتوا فرصة التفاوض السوداني السوداني والقبول بالعملية الديمقراطية المتدرجة، والذين عجزوا -قولاً وفعلاً- عن إسقاط الحكومة السودانية إما لضعف أوزانهم وقواعدهم الجماهيرية أو لنفور الجماهير منهم لسابق تجربتهم من المستحيل أن يكونوا خياراً للمستقبل.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق