الثلاثاء، 1 مارس 2016

عندما تواطأ الجميع ضد السلام (1-2)

بقلم/ خالد التيجاني النور:
من الذي تسبب في عدم تسجيل الهدف الضائع لاتفاقية السلام الشامل السودانية، وما جدواها بغير تحقيق السلام. وبالأحرى هل كانت شاملة فعلاً، وإلى أي مدى يتحمل طرفاها الأساسيان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، مسؤولية إضاعة هدفها، وهل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بريئة تماماً من فرض الطريق الذي سارت فيه، والمصير الذي آلت إليه؟.
هذه الأسئلة وغيرها كانت مدار الورقة والنقاش الذي أثارته في المحاضرة التي قدمها المبعوث الأمريكي الأسبق للسودان السفير برنستون ليمان في الأيام الفائتة في معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم. سعى ليمان للإجابة على سؤال طرحه في عنوان الورقة «الجزء المفقود: أين السلام في اتفاقية السلام الشامل»؟.، تتطرق فيها لتطورات وتبعات تنفيذ الاتفاقية، وأسباب عدم تحقيقها لهدفها الأساسي بجلب السلام في البلدين.
دافع ليمان بشدة عن الاتفاقية معدّداً مآثرها «إنهاء الحرب الطويلة، إتاحة تقرير المصير، وإرساء مسار لإضفاء المزيد من الديمقراطية عبر انتخابات، تبني عملية مبتكرة لمعالجة القضايا في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق عبر المشورة الشعبية، وحل نزاع أبيي عبر استفتاء»، وذهب إلى حد القول «ليس باستطاعة أحد القول إن اتفاقية السلام لم تكن شاملة في الرؤية والمقصد».
وقال إنه لم يكن هناك نقصاً في الاتفاقيات، فقد شملت أيضاً قضايا مثل الديون، النفط، المواطنة، الأصول، الحدود ..إلخ، «وقد تم الإيفاء ببعض هذه الاتفاقيات، ولكن بعضها سقط على جانبي الطريق». إلا أنه عاد وأقرّ بأنه على الرغم من ذلك لم يحدث سلام لا في داخل البلدين ولا بينهما. وأن ذلك كان يحتاج إلى تغيير سياسي وطريقة حكم جديدة وشاملة ومسؤولة وذات مصداقية، لافتاً إلى أن هناك نماذج لدول عديدة استطاعت أن تحدث التحول الديمقراطي، وأن تخرج من سيطرة حكم الفرد دون الحاجة لخوض حرب أهلية.
ودافع ليمان عن دور المجتمع الدولي قائلاً إنه لم تتأت له الفرصة للتأثير على مسار السياسة الداخلية في كلا الدولتين ناهيك عن السيطرة عليها، فالانتخابات التي جرت في العام 2010 قبل نهاية الفترة الانتقالية لم تنشأ عنها ديمقراطية، وعلى النقيض من ذلك مكّنت من ترسيخ القبضة القوية للطرفين المسيطرين في الشمال والجنوب. «وظل المجتمع الدولي يراقب هذه التطورات بقلق بالغ ولكننا ركزنا معظم انتباهنا على النزاعات المتواصلة، والتهديد بعودة الحرب بين الشمال وجنوب السودان، كنا غارقين في معالجة المناوشات على الحدود».
بالطبع هناك الكثير مما يمكن أن يُقال عن دور ومسؤولية وتقصير الطرفين السودانيين فيما آل إليه مصير الاتفاقية، إلا أنه أيضاً من عدم الإنصاف إدعاء ليمان أن المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة، كانت عاجزة عن التأثير على مسار الأحداث، أو الضغط على الطرفين، فواشنطن على وجه الخصوص لم تكن مجرد شاهد عابر أو مسهّل، بل كانت عرّاب العملية بامتياز، ومهندسّة مسار التسوية نفسها ومآلاتها بالكامل منذ أن تبنت إدارة الرئيس جورج بوش الابن في العام 2002 خطة الطريق التي رسمها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لإنهاء الحرب في السودان عبر تبني صيغة نظامين في دولة واحدة، كما أن المجتمع الدولي الذي تقوده لم يكن مجرد شاهد على الاتفاقية بل ضامناً لتنفيذها بقرارات دولية.
الحقيقة هي أن الإدارة الأمريكية انحازت منذ وقت مبكّر لخيار تقسيم السودان، ومارست ضغوطاً، وعملت على ممارسة كل الضغوط على الخرطوم، والحرص على توفير كل الضمانات لقيام الاستفتاء على تقرير المصير في موعده لتحقيق انفصال الجنوب، ولذلك لا يمكن للإدارة الأمريكية آنذاك من تبرئة نفسها عن إضاعة هدف السلام بزعم عجزها عن التأثير على مسار الأحداث أو عدم قدرتها على فرض السيطرة على المسار الذي قاد إلى تقسيم السودان.في الواقع لم تكن واشنطن متفرجة بل لعبت دوراً مفتاحياً في تمهيد المسرح ودفع الأمور دفعاً باتجاه التقسيم، وهو أمر تيّقنت منه غداة انتهاء مراسم جنازة جون قرنق التي جرت في جوبا عقب مصرعه في آواخر يوليو 2005، فقد مثّل إدارة بوش وفد قاده أندرو ناتسيوس مدير المعونة الأمريكية، وشارك فيه عضو الكونغرس دونالد باين، ومن ضمنه كونستانت بيري نيومان مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية آنذاك، وروجر وينتر الممثل الخاص لنائب وزير الخارجية، ووصلت نيومان ووينتر إلى الخرطوم قادمين من جوبا، حيث عقدا لقاءً صحفياً محدوداً لممثلي وكالات الأنباء العالمية الكبرى في الخرطوم «رويترز، أسوشيتدبرس، الفرنسية ويونايتدبرس انترناشنال» وكنت حينها مراسل الأخيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق