الثلاثاء، 29 مارس 2016

كيف يمكن خلق معادلة معقولة ما بين المشاركين والرافضين للحوار الوطني؟

القوى السودانية المعارضة التى رفضت مشروع الحوار الوطني كان لها كامل الحرية في اتخاذ هذا الموقف، والموقف نفسه -سالباً كان أم ايجابي- يندرج ضمن الممارسة الديمقراطية الأشمل الجارية في السودان، وهي ان تقرر أي مجموعة سياسية –بمحض إرادتها– إتخاذ الموقف الذي يناسبها! فكما رأينا ما من أحد حاول إجبار رافضي الحوار للمشاركة فيه ولم يجرؤ أحد على تخوين أو شيطنة هؤلاء الرافضين، بل أتيحت لهم فرصاً كاملة للتعبير عن أسباب رفضهم للمشاركة في الحوار.
و على الجانب الآخر فإن الذين شاركوا في المشروع، هم أيضاً مارسوا حقهم الديمقراطي في القبول والتفاعل مع مشروع وطني داخلي طرحته الحكومة، ثم مارسوا حقهم أيضاً في التعبير عن أسبابهم ودوافعهم التى دفعتهم للمشاركة. الرافضين للمشاركة تبقى حقوقهم في رفض أو قبول مخرجات الحوار الوطني، حقوق مشروعة وقائمة، إذ على الرغم من عدم مشاركتهم -اختلفنا او اتفقنا مع أسبابهم- فإن هذا أبداً لا يسقط حقهم فى الاستفادة من ثمار المخرجات والنتائج النهائية، وهذه واحدة من أهم مميزات الديمقراطية حيث لا مجال للقول أو الاحتجاج على من لم يسهم في المشروع بعدم التمتع بثمار وحصاد الغرس الوطني طالما أنه سوداني وموجود في المضمار السياسي العام.
تبقى فقط التعقيدات في عدة أمور: أولاً، وفقاً للمعادلة النسبية ما بين المشاركين والمقاطعين للحوار، فإن المشاركين أعلى نسبة من الرافضين ومن ثم فإن حسن ترجيح ميزان المعادلة يقتضي ألا تعتقد القوى الرافضة للحوار ان ما سهرت من أجله القوى المشاركة الليالي والساعات الطوال في المدارسة والنقاش وبلورة الآراء أمراً سهلاً وبلا قيمة. وهذا يقتضي ان تعترف القوى الرافضة للقوى المشاركة بأنها اجتهدت وبذلت ما في وسعها بالمكون السياسي المحلي المتاح ومن ثم فإن ما توصلت اليه من الحصافة تثمينه و التأمين عليه.
ثانياً، تأمين الرافضين على ما توصل اليه المشاركين ضروري لخلق (جسر سياسي) يتيح للرافضين إضافة أمور جديدة لا تتعارض مع ما تم التوصل اليه. لأنه وببساطة اذا كانت القوى الرافضة والتى قاطعت عملية الحوار تسعى لاستحداث حوار جديد أو مخرجات جديدة لم تكن موضعاً للنقاش، فإن هذا يعني قلب المعادلة، وخروج المشاركين الأوائل ودخول رافضين، ما يعيد الجميع للمربع الأول فقط بعد تغيير اللاعبين!
ثالثاً، الرافضين للحوار وطالما حظيوا باحترام المشاركين يقع عليهم هم أيضاً واجب احترام جهدهم باعتباره جهد الاغلبية من جهة، وبإعتباره أساساً للتوافق السياسي المنشود بين كافة الفرقاء السودانيين من جهة أخرى. فإذا كان متاحاً لكل القوى السودانية سياسية كانت أو مسلحة ان تلتئم وتناقش قضايا البلاد بالداخل وعبر مائدة مستديرة وبلا وسطاء، أو تدخل من أجانب، فإن الذين لم يرتضوا هذا الوضع الطبيعي عليهم ألا يحاولوا جر هؤلاء إلى إرتضاء وضع غير طبيعي.
وهكذا يمكن القول إجمالاً ان المعادلة السياسية العادلة تقتضي إقرار الممانعين بما تم من جهد غض النظر عن رأيهم فيه، و من ثم اجراء عمليات اضافة غير مؤثرة على الأساس، بحيث يصبح البناء صالحاً للسكنى والإقامة المستقرة الدائمة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق