الخميس، 3 مارس 2016

أمريكيون أكثر من الأمريكيين!

مع أن قوى المعارضة السودانية بكل مشاربها –السياسية والمسلحة– ظلت ومنذ عقود تدمن فشل فهم واستيعاب المتغيرات السياسية وكيفية إدارة أزمتها مع الحكومة في ظل عجزها عن انجاز أدنى انجاز يمكن أن يحسب لها؛ مع كل ذلك فإن هذه المعارضة من الممكن أن نجد لها العذر لكونها لا تزال متجمدة في الماضي وما تزال تراهن على جماهيرها القديمة والمعاقل المضمونة واللعبة القديمة المتهالكة التي كانت في كل مرة تتسبب في ذهاب التعددية.
ولكن كيف لنا أن نجد العذر لقوى معارضة تقيم في الخارج وقضت سنوات في ذلك (الخارج)، رأت وسمعت كيف تتعامل الشعوب مع دولها، وكيف تفرق ما بين الدولة -كدولة ووطن- والنظام الحاكم. ما يسمى بتحالف قوى المعارضة بالولايات المتحدة قدم لنا (أنموذجاً) مؤسفاً للغاية لما ينبغي أن تقوم عليه الممارسة السياسية.
هذا التحالف المعارض الذي (يصبح) و(يمسي) في دولة كبرى تدعي أنها تدين بالديمقراطية وجّه لنفسه ضربتين من حيث لا يدري! فهو أثبت أولاً أنه (لم يستفد ولم يتعلم شيئاً) عن الوطنية والديمقراطية ثم أثبت ثانياً، أن بلد الديمقراطية –الولايات المتحدة– هي في الواقع ليست بلداً ديمقراطياً حقيقياً! التحالف وحالما سمع بتوجيه قطاعات شعبية سودانية تجمع توقيعات موجهة مباشرة -عبر البريد الالكتروني- إلى البيت الأبيض حتى انتفض كمن لدغه ثعبان كوبرا أرقط!
اخرج التحالف بياناً في هذا الصدد ووصف فيه سعي شعب السودان لرفع العقوبات المفروضة على السودان بأنها (تهريج وتهافت سياسي)، ثم يمضي البيان ليؤكد (أن ما يحدث هو مهزلة سياسية بلغاء)!
ثم يزداد الأسف أكثر حين ينبري البيان ليدافع عن هذه العقوبات عبر مرافعة سياسية من المؤكد أن عتاة المحامين وجماعات الضغط هناك حسدوهم عليها، فالتحالف يدافع عن ما أسماه (قانون أمريكي) ساري المفعول عرف بقانون (ماكغفرن) أو قانون أمن و سلامة ومحاسبة السودان!
البيان لا يكتفي بذلك وإنما يعتبر هذا القانون الأمريكي المجاز منذ العالم 2004 قانوناً (يخص الأمة الأمريكية) وليس نتاج حملة تحريضات قام بها الممثل جورج كلوني، وبراند قاست! وربما تزيد دهشتك عزيزنا القارئ أن ترى كيف (يبرئ) تحالف المعارضة هذا هؤلاء النشطاء وجماعات الضغط كل هذه البراءة، ولكن دهشتك سوف تتضاعف أضعافاً لتفغر فاهك حين يشير البيان (بتأكيدات) مبكية مضحكة (أن المتضرر من الحظر الاقتصادي الأمريكي على السودان منذ 23 عاماً ليس المواطن السوداني الفقير أو الباحث عن حقنة أو لوح زنك أو طوب لبناء منزل! أمريكا لا دخل لها بكل ذلك، المتضرر من الحظر الاقتصادي الأمريكي هم لصوص المؤتمر الوطني الساعين لفك الحظر عن حركة حساباتهم)!
لو أن فهلوياً أمريكياً متعالياً حاول إعطاء مرافعة دفاع عن هذه الحظر الأمريكي الاقتصادي الجائر على السودان لما لجأ إلى هذه (المبررات) العجيبة. فحتى لو قلنا أن المؤتمر الوطني قلبه ليس على البلاد، فهل تفعل تحالفات المعارضة الشيء نفسه؟ تدافع عن حظر اقتصادي اقعد كل مواطن سوداني و سامه العذاب؟ بل ألا يحق للمواطنين السودانيين -طالما كونهم مواطنين سودانيين- المطالبة، (مجرد المطالبة) برفع الضرر عن بلادهم؟
ولماذا يقف تحالف المعارضة –وهو في بلد وعلى ارض ديمقراطية– ضد الديمقراطية بهذا المسلك المفضوح لمجرد أن هذه الديمقراطية تضر بمصالحهم؟ إنها واحدة من أزمات المعارضة السودانية وكوميدياها السوداء. لا يفرقون بين مصالح بلادهم وخصومتهم (غير الشريفة) مع سودانيين مثلهم يحكمون هذه البلاد! الأمر مؤسف ومؤلم بكل  المقاييس!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق