الاثنين، 18 ديسمبر 2017

السودان أبعد ما يكون عن الاملاءات الأمريكية!!

هنالك خطأ سياسي شائع لدى العديد من المراقبين فحواه أن السودان ونتيجة لنجاحه في دفع الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات الاقتصادية الجائرة عنه ودخوله في محادثات
بغرض استعادة علاقات عادية مع هذه القوة العظمى، أصبح قابلاً للخضوع لمشيئة واشنطن وأوامرها ورغباتها!! وقد بلغ البعض في هذا الاعتقاد الخاطئ حداً جعلهم يعتقدون أن السودان لن يجرؤ على اتخاذ مواقف وسياسات تتصادم مع مواقف وسياسات واشنطن في المنطقة وعلى نطاق
العالم، منذ أن بدأ سلسلة المحادثات مع واشنطن وجعلها ترفع العقوبات عنه في أكتوبر الماضي. غير أن الواقع سرعان ما كذب هذا الاعتقاد الخاطئ فعلاوة على الزيارة التي أحدثت جلبة واسعة النطاق في موسكو لدى زيارة الرئيس البشير اليها مؤخراً والتصريحات التي أطلقها من هناك والتي
تشي بالكثير وتضج بالرسائل والإشارات، فإن السودان رفض رفضاً قاطعاً قرارات الرئيس ترامب الداعية للاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وشارك الرئيس البشير بفاعلية وعلى نحو مؤثر في مؤتمر اسطنبول الأخير وأعلن عن موقف قوى وواضح لا يحتمل أدنى تأويل.
وزير الخارجية السوداني البروفيسور إبراهيم غندور وفي رده على سؤال قدمته له (جسر نيوز) ضمن وقائع ندوة عقدت في العاصمة البريطانية لندن الأسبوع الماضي حول ما اذا كانت واشنطن اشترطت على السودان عدم ترشح الرئيس البشير في العـ2020ـام مقابل رفع اسمه من قائمة
الدول الداعمة للارهاب قال ان واشنطن لم تفرض على السودان قط هذا الشرط. غندور قال ان كل ما تباحث فيه مع نائب وزير الخارجية الأمريكي (جون سوليفان) في الخرطوم قبل أيام هي قضايا ذات صلة بحقوق الانسان والحريات الدينية وأضاف غندور ليس من حق الأميريكيين التدخل في
قضية ترح الرئيس البشير واذا طلبوا ذلك فإننا لن نستجيب لهم ولن نقبل بالدخول معهم في حوار من هذا النوع. لا شك أن تصريحات الوزير السوداني واضحة وكافية ولا تحتمل أية احتمالات. فالرجل لم يزد على وجود محادثات معتادة في أمور تقبل الأخذ والرد ولكن لا تمس صميم السيادة
الوطنية للسودان.
والواقع ان السود لم يكن يحتاج لكل هذا العناء لكي ينتهي به الأمر في خاتمة المطاف دائراً في فلك الولايات المتحدة! سياسة السودان الخارجية لمن يتابعها بموضوعية وعن قرب تستند الى مصالحه ورؤيته وفلسفته حيال القضايا الاقليمية قضايا أمته ومبادئه التي لا تحتمل المساومة. كما أن
قضية ترشح الرئيس البشير من عدمها هي من صميم الممارسة السياسية الديمقراطية النابعة من الارادة الشعبية لهذا البلد ومن غير المنطقي، أن يرضخ هذا السودان – بعد طول مواجهة شاقة ومضنية مع واشنطن – لشروط أمريكية لكي يحظى برضائها، فكما سبق وأن أشرنا كان يمكن
لذلك أن يحدث قبل عقود من السنوات لو كان السودان يختط هذه السياسة الخارجية السهلة! من جانب آخر فإن الرئيس ترامب نفسه، باعتباره الرئيس الامريكي الأكثر اثارة للجدل والأكثر اثارة للمخاوف في مواقفة وقراراته المضطربة لا يمكن لأي دولة حتى ولو كانت تابعة لواشنطن ودائرة في
فلكها أن تأخذ قراراته مأخذ الجد، فالرجل أثبت حتى الآن أنه متقلب المزاج، يتخذ قراراته بطريقة لا تتسق مع مجريات الأمور العادية ويتخبط في قراراته ويتراجع عنها حسب الظروف!! رئيس بهذه المواصفات حتى الدول التي عرفت بأنها تسير في الركاب الأمريكية، توقفت الآن لتتأمل إلى أين يتجه
الرجل وإلى أي هاوية سحيقة يقود العالم؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق