الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

أردوغان في الخرطوم السودان وتركيا … تقارب (سياسي) وتآلف (شعبي)

استقبلت الخرطوم يوم (الأحد)، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استقبالا جماهيريا حاشداً، حيث اصطفت الجماهير على طول جنبات الطريق المؤدي الى المطار رافعين لافتات تحمل صوره وترحب به. وتعد زيارة الرئيس التركي للسودان الأولى من نوعها منذ إعلان استقلال السودان في يناير عام 1956، وتأتي جولة أردوغان في ظل تصاعد التوتر الإقليمي، بسبب قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والبدء بنقل سفارة بلاده إليها. وفي وقت تعتبرها الأوساط الرسمية والشعبية مكسباً للسودان، و يعول كثيرون أن تنشط هذه الزيارة، الشراكة الاقتصادية بين البلدين، لاسيما وان الرئيس التركي الذي وصل الخرطوم على متن طائرتين احداهما تقل 200 رجل أعمال تركي. وتحتفظ تركيا بعلاقات جيدة مع السودان، كما يحظى الرئيس رجب طيب أردوغان بقبول شعبي كبير في السودان، لا سيما بسبب موقفه الأخير الرافض للقرار الأمريكي بشأن القدس. الزيارة الأولى من نوعها
ورغم أن أردوغان سيكون أول رئيس تركي يزور السودان منذ استقلاله ، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت العديد من الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين. وقالت وزارة الخارجية في بيان لها، إن «الزيارة تأتي في إطار تعميق العلاقات الأخوية المتطوّرة بين البلدين، والتي ترتكز على روابط تاريخية وثقافية واجتماعية عميقة الجذور، ولتعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية القائمة بين البلدين». وتوقع عدد من المراقبين بأن الزيارة ستؤتي أكلها بتعزيز العلاقات السودانية التركية في مختلف المجالات، وفي نفس الوقت تقود لوحدة الأمة الإسلامية، لتحقيق غايات كبيرة أهمها مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية».
«الفرصة تأتي مرة واحدة «هذه العبارة ابتدر بها الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي الرشيد ابو شامة حديثه حول زيارة الرئيس التركي اردوغان للخرطوم، وقال لـ(الصحافة) « انا متفاءل كثيرا بهذه الزيارة لاسيما وان العلاقات جيدة بين البلدين»، واضاف ان السودان يتفق مع تركيا في العديد من المواقف الدولية لاسيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والموقف اتجاه سوريا. وزاد: « تحاول تركيا اعادة امجاد الإمبراطورية العثمانية وقيادة العالم الاسلامي، كما ان الرئيس التركي حفيد احد السلاطين العثمانيين والسودان لا يختلف مع تركيا وحريص على علاقاته بها، وهي تعد من قائمة الدول الـ 20 الأكبر اقتصاداً في العالم، ويمكن الاستفادة منها في المجالات الزراعية والصناعية لاسيما في المجال الطبي»، واقترح ابو شامة ان تستفيد (الخرطوم) من واجهة (أنقرة) بتحويل صادرات السودان عبرها والدخول للعالم عبرها خاصة انها دولة قوية ومنفتحة مع العالم.
تعاون مشترك
ويرى الدكتور حسن علي الساعوري أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين ورئيس الجمعية السودانية للعلوم السياسية ان زيارة الرئيس التركي اردوغان للخرطوم مفيدة للسودان ولتركيا في ذات الوقت، وقال لـ(الصحافة) اللقاء الاول بين الرئيسين عمر البشير و اردوغان مهم ، لاسيما وان استراتيجية تركيا الدخول للاستثمار في العالم العربي والافريقي عبر بوابة السودان، واحتياج السودان للتقنية التركية خاصة وانها تعد من الدول المتطورة في مجالات الصناعة والزراعة . واضاف الساعوري ان السودان كان (بطئ) في علاقة التعاون مع تركيا ، وتوقع ان تسرع هذه الزيارة خطى العلاقات لاسيما في مجال الاستثمار
بدورها، أعلنت جامعة الخرطوم عن منح درجة الدكتوراة الفخرية لأردوغان «اعترافاً بجهده المتميز في قيادة نموذج ناهض للتنمية في بلاده، وخلقه لشراكات مع السودان والمجتمع المدني في مجال التعليم والصحة، وتقديم العون الإنساني والتنموي والاقتصادي، إضافة لمواقفه المميزة تجاه قضايا الحقوق والعدالة في العالم» بحسب بيان الجامعة.
اهتمام كبير بالزيارة
زيارة الرئيس أردوغان للسودان قوبلت باهتمام كبير رسميا وشعبيا، حيث تم الغاء مؤتمر شورى حزب «المؤتمر الوطني» ، من أجل الزيارة، وتوقعت وزارة الخارجية في بيان لها بأن «تفضي الزيارة إلى نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين وتعزيز الشراكات الاقتصادية القائمة بينهما، خاصة في مجال الاستثمار والإنتاج الزراعي ومجالات التعليم العالي والبيئة والتعاون العسكري والقانوني والطرق والتعدين والطاقة والصحة والسياحة». وستتضمن زيارة أردوغان للسودان توقيع عدد من الاتفاقيات المشتركة بين الخرطوم وأنقرة، كما ان الموارد الضخمة والموقع الاستراتيجي للسودان، وما تتمتع به تركيا من تقنية وسبق اقتصادي، مكنها من أن تكون على قائمة الدول الاكبر اقتصادا، مما جعلها زيارة ذات فوائد عديدة لاسيما في المجال الاقتصادي.
مكاسب سياسية
وتعتبر الحكومة السودانية، هذه الزيارة مكسباً سياسياً، كونها الأولى من نوعها لرئيس تركي للبلاد منذ استقلال السودان في 1956، في حين كانت زيارة الرئيس الأسبق جعفر النميري لتركيا، في العام 1981، هي الأولى لرئيس سوداني إلى تركيا.
وبعد وصول «الانقاذ الوطني» للحكم في السودان (عام 1989)، وفوز حزب «العدالة والتنمية» في انتخابات 2002، شهدت العلاقات بين الخرطوم وأنقرة تطوراً نوعياً، توج بتشكيل لجان وزارية مشتركة وزيارات عديدة للرئيس عمر البشير لتركيا، لتنضم الأخيرة بذلك للدول التي تحدت قرار المحكمة الجنائية الداعي لتوقيف البشير، وكانت آخر زيارة للرئيس السوداني قبل أيام معدودة للمشاركة في القمة الإسلامية حول القدس.
تعاون اقتصادي
العديد من الاتفاقيات تم التوقيع عليها لتعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ويتضمن برنامج الزيارة انعقاد ملتقى اقتصادي يجمع كبار رجال الأعمال من البلدين.
. وأعلنت وزارة الاستثمار السودانية أن حجم الاستثمارات التركية في البلاد بلغ ملياري دولار خلال الفترة الممتدة بين 2000 و2017.
اهتمام تركي بالسودان
موقع السودان هو ما أغرى تركيا بالاهتمام به، إذ تريد تركيا أن تجعل من (السودان باب تركيا المنفتح علي أفريقيا خلال المرحلة القادمة) حسبما يذكر ذلك المسؤولون في الحكومة التركية. فالسودان الذي يرتبط مع سبع دول أفريقية بحدود مشتركة، يعتبر دولة كبيرة بحكم موقعها الجغرافي السياسي. وترى تركيا في موقع السودان الجيواستراتيجي وفي دوره السياسي الأمني الاقتصادي والتجاري في القارة الأفريقية وفي عضوية منظمة الوحدة الأفريقية والكوميسا ومجموعة الساحل والصحراء ما يؤهله لأن يقدم لها ما ترغب فيه لتحقيق انفتاحها على الدول الأفريقية. وفقا لإدارة الشؤون الأوربية بوزارة العلاقات الخارجية.
ليس هذا فحسب بل تنظر تركيا باهتمام أيضا إلى علاقة السودان بالدول الإسلامية وعضويته في منظمة المؤتمر الإسلامي. فالسودان باستطاعته أن يساهم في دعم تركيا في سياساتها التي تطبقها منذ العام 1995إزاء أفريقيا . بحسب مؤسسة الأبحاث التركية. وكذلك في سياسات تركيا التي تقوم الآن بتطويرها بكل اهتمام بهدف تعزيز موقعها بين الدول والشعوب الإسلامية. وفي إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، كما يستطيع السودان أن يقدم دعما مهما لتركيا في علاقاتها التاريخية.
بدء العلاقات مع تركيا
ظلت العلاقات بين الخرطوم وانقرة، تتسم بالتقليدية، ولم تشهد اتجاها نحو تطويرها ودفعها. ربما كان ذلك بسبب انغماس السودان في القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية واتخاذه موقفا متحفظا تجاه العلاقات مع تركيا، التي تحتفظ أيضا بعلاقة رسمية متقلبة مع إسرائيل العدو اللدود للبلاد العربية والإسلامية.
ولم تتجاوز العلاقة بين البلدين البعد الاقتصادي إلى أبعاد سياسية أو ثقافية، وحتى هذا البعد الاقتصادي انحصر في التبادل التجاري بينهما. وفي مطلع الثمانينات حدث تطور مهم في سعي القيادة التركية لتعميق صلاتها مع العالم العربي والإسلامي، أمام الضغوط السياسية والاقتصادية التي تتعرض لها من حلفائها الغربيين وخاصة دول المجموعة الأوربية فصارت تبحث لها عن دور فعال في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتتخذ مواقف سياسية واقتصادية، مؤيدة للقضايا العربية بشكل عام، ومنها تقليص علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وتوثيق صلاتها مع الدول الإسلامية عبر المؤتمر الإسلامي ومنها السودان.
العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية والدبلوماسية ينتظر ان تثمرها هذا الزيارة التي انتظرها السودان طويلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق