الأحد، 22 مايو 2016

أبيي.. سيناريوهات التسوية والتعقيد!

إنعام عامر الصراع التأريخي هناك ربما تشي عنه مسميات النهر الذي يقبع أسفل المدينة وجنوب المنطقة.. وما بين ثنايا صفحات التعايش التأريخي بين المسيرية ودينكا نقوك يشار الى النهر رمزية التعايش، ببحر العرب احياناً ويطلق عليه بحر «كير» أو بحر «الجنق» احياناً أخرى لتتقاسم تلك التعريفات قبيلة المسيرية ومشيخات دينكا نقوك التسع منذ القرن الثامن عشر، وما بين محاولات التقسيم شمال النهر وجنوبه، ينهزم التعايش التأريخي وسط تجاذبات السياسة وترسيم خطوطها الوهمية. إلا ان المفقود حقيقة هو إرادة قوية من الطرفين تسندها رغبة صادقة من الساسة في كل من الخرطوم وجوبا لطي الملف على نحو يرضي الأطراف المعنية. تعقيدات على أرض الواقع ثمة تعقيدات على أرض الواقع ربما تنسف أي تقارب بخصوص تسويات الملف العالق أصلاً. عقب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المسماة انتقالية في جوبا الشهر الماضي. الخرطوم من جانبها تنتظر حسم العديد من الملفات العالقة بين البلدين من بينها ملف ابيي، بيد أن عقبات جمة ربما في انتظارها من بينها بالطبع طبيعة تعقيدات الملف وتشابكه، على مستوى حكومة الجنوب يبدو الرئيس كير حريصاًَ على إيجاد تسوية للملف لا تغضب الخرطوم، ويبدو هنا زاهداً في التمسك بها، وتشير هنا قرائن الواقع الى ذلك، فقد كان كير من المعارضين لتعيين ابناء أبيي في الحكومة الجديدة أو على الأقل اسناد الوزارات المهمة إليهم، بيد ان ضغوطاً مورست على الرئيس كير لتعيين دينق ألور وزيرًا للخارجية عقب ضغوط غربية ساندها ابناء أبيي أنفسهم في سبيل ضمان تصعيد الملف والدفع به، ويتمتع ألور بشعبية واسعة وسط مشايخ دينكا نقوك التسع منذ اختيارهم له رئيساً يمثلهم في مؤتمر العشائر الذي أفضى إلى استفتاء غير رسمي للمنطقة لم يحظ باعتراف حكومتي الخرطوم وجوبا، وعقب تلمسهم تنكر الحكومة في جوبا لقضيتهم واستعدادها للتضحية بها سارعوا للاستحواذ على أهم وزارة، ما يعني رغبة قوية من أبناء أبيي لتصعيد الملف خلال الفترة الانتقالية. مخاوف كير على الجانب الآخر، بدا سلفا كير راغباً في التضحية بالقضية لأسباب من بينها عدم رغبته في الدخول في صدامات أو فتح جبهات جديدة مع الخرطوم من جهة، ورغبة شخصية تدفعة الى التخلص من «مجموعة العشرة» أو ابناء أبيي الذين لا يشعر بولائهم تجاهه، وتساوره شكوك عديدة نحوهم لذا أودعهم السجن قبيل اندلاع الحرب الأهلية هناك عقب اتهامه إياهم بالتدبير لانقلاب ضده. وربما تعول الخرطوم على الرئيس كير أكثر من نائبه مشار الذي يتهم من قبل خصومه بموالاة الخرطوم بعدما صنف حليفاً لها خلال اشتعال الحرب الأهلية هناك منذ ثلاث سنوات، بيد أن مؤشرات على أرض الواقع لا تقول بذلك، من بينها ابتعاث مشار ولوكا بيونق وكيلين عن الحركة الشعبية في محكمة التحكيم الدولية في لاهاي بخصوص أبيي. أبناء أبيي من جهة اخرى، يمثل ابناء أبيي ثقلاً لا يستهان به داخل جسم الحركة الشعبية والجيش الشعبي، وعلى مستوى التمثيل السياسي، وهنالك العشرات من قيادات دينكا نقوك داخل الحركة أبرزهم دينق ألور، إلا ان رياحاً عاصفة أطاحت بهم وأبرزهم لوكا بيونق ودينق أروب كوال بجانب ثقلهم العسكري، بيد أن ثمة إحساساً بتهميش قضيتهم بدأ ينتابهم. فقد أعلن نحو 1500 عنصر من بينهم نحو 20 ضابطاً برتب مختلفة، من ابناء أبيي بالجيش الشعبي بقيادة الجنرال أيول كير، انسلاخهم وانضمانهم الى الجيش الشعبي قطاع الشمال تحت قيادة مالك عقار. واستناداً الى معلومات بثها راديو «تمازج» يناير الماضي، كشف قائد المجموعة أن مجموعته من مشيخات دينكا نقوك التسع بأبيي أقدموا على تلك الخطوة بعد أن تأكد لها تهاون سلفا كير وتنكره لقضية أبيي، قائلاً إنهم يتبعون لدولة السودان. وبدا الشعور بالغبن واضحاً وسط ابناء أبيي وقياداتها في جوبا، ومرد ذلك تعاظم شعورهم بتهميش قضيتهم من قبل القيادة في جوبا. وسرعان ما تحولت الأمور وبدت أكثر تعقيداً على خلفية البيان الذي أدلى به برنابا بنجامين وزير الخارجية السابق في حكومة كير، في مارس الماضي أمام مجلس الأمن وأثار جدلاً كثيفاً في وسائل الإعلام المحلية بجنوب السودان، عندما قال إن القيادي لوكا بيونق ليس مواطناً جنوبياً، وإنما هو مواطن سوداني. إلا انه تراجع لاحقاً عن تصريحه بحسب وسائل إعلام محلية، وقال إنه أخطأ بوصف لوكا بيونق الذي ينتمي لمنطقة أبيي المتنازع عليها مع السودان بانه سوداني الآن، إلا أن البيان الذي ورد فيه التصريح وقع بواسطة حكومة جنوب السودان وليس وزير الخارجية. ما زاد الامر تعقيداً وأثار حفيظة ابناء أبيي وقيادييها، وجاء تصريح الوزير بنجامين خلال تقديمه رد بلاده على تقرير للأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان وقمع حرية التعبير واستشهاد التقرير الأممي بتقارير صدرت عن المركز الذي يديره بيونق. وعلى خلفية تلك الحادثة أقيل بيونق من منصبة كمدير لمعهد دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا، وأجبر على مغادرة البلاد، بعد أن تضمنت تقارير للأمم المتحدة ومنظمات دولية عديدة، معلومات صدرت عن المركز، مع تزايد الانتقادات لحكومة جوبا لتدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد. لم تمر تلك الحادثة مرور الكرام، ولاحقاً أقال رئيس دولة جنوب السودان كلاً من مفتش عام الشرطة بينق دينق كوال وعين بدلاً عنه ضابطاً من أبناء بحر الغزال، كما أقال فرانسيس دينق المبعوث الدائم لدولة جنوب السودان بالأمم المتحدة، وعين أكول بونا ملوال من التوج بدلاً منه. في عملية وصفها ابناء أبيي بالممنهجة للإطاحة بهم. استمرت تداعيات مذكرة حقوق الإنسان بإصدار سفا كير ميارديت مرسوماً جمهورياً، قضى بإقالة وزير الخارجية برنابا مريال بنجامين من منصبه، ولم يوضح القرار الذي بُث على التلفزيون الرسمي أسباب إقالة بنجامين بصورة مُفاجئة قبيل تشكيل الحكومة الانتقالية. إلا انه فهم حينها ان الإقالة تمت على خلفية مذكرة حقوق الإنسان بمجلس الامن. ويذكر أن برنابا مريال عمل وزيراً للدولة بوزارة التعاون الدولي بالسودان ووزيراً للتعاون الإقليمي بحكومة جنوب السودان بجوبا، كما عمل وزيراً للتجارة ووزيراً للإعلام بعد انفصال الجنوب قبل تعيينه وزيراً للخارجية في عام 2013م. إرادة قوية ورغم تسيد العديد من التساؤلات حول مصير أبيي عقب تشكيل الحكومة الانتقالية وصعود دينق ألور صاحب الثقة الممنوحة من العشائر التسع لدينكا نقوك الى وزارة الخارجية.. ينتظر ابناء أبيي حسم ملفهم على مسارات عدة، من بينها وربما عاجلها تصدي قياداتها بالحكومة الجديدة لقضيتهم وانتزاع اعتراف رسمي من حكومة الجنوب بأحقيتهم فيها اولاً وفتح الباب أمام تفاهمات مع الخرطوم بخصوص تسوية ترضيهم ثانياً قبل التلويح بتصعيد الملف على نحو قد لا يرضي الخرطوم ولا جوبا التي تتعرض لضغوط كبيرة من أبناء ابيي بالحركة الشعبية بغية تسوية الملف لصالحهم، بيد ان مفاتيح حل الملف برمته تكمن في يد النخب من الطرفين المسيرية ودينكا نقوك دون سواهما حال توفر ارادة قوية من الجانبين، إلا ان مآخذ تعقيدات الملف تقع تحت طائلة ارتهانات قوية من كل من الخرطوم وجوبا أثرت بشكل كبير على طرفي الصراع بسبب حالة الاستقطاب الحاد وسط الجانبين، ما يعني ان تطورات الملف سلباً وإيجاباً مفتوحة على كل الاحتمالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق