الثلاثاء، 16 فبراير 2016

المواجهة الكبرى بين الاتحاد الإفريقي ولاهاي.. من يكسب الجولة؟!

ليس من الحصافة أن تستهين القوى الدولية الكبر بقرار الاتحاد الإفريقي الأخير الصادر في القمة رقم 26 المنعقدة مؤخراً بمقره بأديس أبابا أواخر يناير المنصرم والذي أقر مخاطبة مجلس الأمن الدولي لإلغاء قرار الإحالة الخاص بالسودان وكينيا إلى محكمة الجنايات الدولية، وبالعدم اتخاذ قرار جماعي في القمة المقبلة بالانسحاب من ميثاق روما المنشئ للمحكمة عام 1998م.
القرار الإفريقي بصورته التي خرج بها لا يخلو من خطورة وهو بهذه المثابة يتطلب من القوى الدولية الكبرى التحسب له وأخذه مأخذ الجد! إذ قد يعتقد البعض أن بعض القوى الدولية تحكم سيطرتها على غالب دول القارة ومن ثم فهي غير قادرة على تنفيذ تهديدها بالانسحاب.
وقد يعتقد البعض أنه حتى في حالة الانسحاب فإن القرارات المتخذة قبل الانسحاب تظل تحمل صفة الإلزام! غير أن مكمن خطورة القرار الأخير يمكن ملاحظته في عدة مؤشرات هامة جداً: أولاً، الطلب الإفريقي عادل ويأتي ضمن سياق قيام منظمة إقليمية مسئولة وموازية للمنظمة الدولية تؤدي مهام إقليمية أمنية لا غنى للمجتمع الدولي عنها بممارسة دورها الأمني، باعتبار أن حصر ملاحقة المشبه بإرتكابهم جرائم حرب في محيط القارة الإفريقية وحدها –على نحو عنصري فاضح– يهدد الأمن والسلم في المنطقة، إذ أن المنطق يقول انه لا يعقل أن يكون عمر المحكمة الجنائية الدولية أكثر من 13 عاماً، وطوال هذه المدة لم يتسن لها أن تلاحق سوى القادرة الأفارقة! لا يمكن لعدالة دولية جادة أن تمضي على هذا النحو بحال من الأحوال، إذا كان المقصد مصلحة المجتمع الدولي.
ثانياً، الطلب يضع المجتمع الدولي أمام محك حقيقي إذ ليس من السهل تجاهل إمكانية انسحاب قرابة نصف المنضويين تحت لواء المحكمة بما يفضي إلى انهيارها.
ثالثاً، الاعتقاد بأن دول القارة يمكن السيطرة عليها بواسطة الدول الكبرى وكبح جماحها لم يعد موضوعياً، هنالك (عشرات) الدول الإفريقية التي رفضت استنادا إلى قرار الاتحاد الإفريقي بعدم التعاون مع محكمة الجنايات الدولية استقبلت الرئيس البشير مراراً وتكراراً، بل إن جنوب أفريقيا سبق وأن مورست عليها ضغوط رهيبة إبان انعقاد إحدى قمم الاتحاد الإفريقي ومع ذلك لم ترضخ، بما يشي بأن دول القارة متوفرة لديها إرادة سياسية قوية.
رابعاً، الطلب الإفريقي -مجرد صدور الطلب- كفيل بلفت أنظار دول أخرى غير افريقية ولكنها قريبة بأوضاعها ومواقفها من أفريقيا وهذه في مضمار العلاقات الدولية تشكل عنصر ضغط قوي، بمعنى أدق فإن دول القارة الإفريقية لديها سند وظهر بعيداً عن الدول الكبرى، ومن سوء التقدير ألاّ يوضع لها اعتبار.
خامساً، اقل ما يمكن أن يفضي إليه الطلب الإفريقي هو إعادة النظر في ميثاق روما برمته، إذ من الممكن رغم كونه أصبح بمثابة (إتفاقية دولية) إعادة النظر فيه بنوده، وفي اختصاصات المحكمة، واختصاصات مجلس الأمن حيالها، وهذه أمور من الممكن أن تدفع العديد من الخبراء حول العالم للتنادي لتعديل الميثاق بما يتواءم مع ضرورات العدالة الحقيقية.
وأخيراً، فإن الدول الكبرى لديها مصالح لا غنى عنها في المنطقة، ومنطق العلاقات الدولية فرض عليها ألاّ تنظر إلى الأمور بذات منظار الستينات والخمسينات والماضي البغيض لبعيد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق