الخميس، 18 فبراير 2016

الحركات الدارفورية المسلحة .. خسارة مزدوجة!

الحركات الدارفورية تواجه الآن خسارة مزدوجة، فقد خسرت الحوار الوطني الذي كان بالنسبة لها -إن كانت تجيد العمل السياسي ومهاراته- بمثابة فرصة تاريخية نادرة تقدم فيها أطروحاتها ورؤاها ولو على سبيل (التنوير) وإيصال وجهة نظرها مباشرة للقوى السياسية الاخرى المشاركة فى الحوار. ثم خسرت  بعد ذلك الاستفتاء الإداري الخاص بإقليم دارفور تماماً كما سبق وأن خسرت الحركة الشعبية قطاع الشمال من قبل المشورة الشعبية!
خسارة الحركات الدارفورية للحوار الوطني قد تبدو للبعض طفيفة وغير ذات قيمة، ربما لأن هذه الحركات تأمل أن تحظى بمفاوضات خاصة تمنحها مكاسب أكبر، أو لاعتقادها أنها ربما تستطيع بحمل السلاح أن تصل لمبتغاها! ولكن المتأمل في وجه خسارة هذه الحركات للحوار الوطني سوف يقف مطولاً جدا عند عدد من النقاط الجوهرية:
أولاً، خسرت هذه الحركات الدارفورية ثقة القوى السياسية الأخرى، وهي ثقة مهمة، ففي العمل السياسي تحتاج لحلفاء، وتحتاج لداعمين وتحتاج لمن يستمع اليك ولمن يمنحك تأييده، بل كانوا فى حاجة ماسة جدا لإسماع رؤاهم لأهلهم فى دارفور بواقعية وصدق بعيداً عن مبالغات الميديا الدولية وتأثيرات تضخيم الذات، وذلك ببساطة لان العمل السياسي عمل واقعي بحت، لا بد فيه من عمل ومثابرة في الميدان السياسي مع من تحب ومن تكره. الحركات الدارفورية أضاعت هذه الميزة النادرة ومن ثم فهي خسرتها تماماً.
ثانياً، مخرجات ونتائج الحوار الوطني –أياً كانت– سوف تصبح ملزمة بقوة في الدستور، ووجه الخسارة هنا أن الحركات الدارفورية بات يتعين عليها أن تلتزم (بما رفضت المساهمة فيه) وهو أمر في العرف السياسي العام خسارة لأنه كان من المستحيل -لو أنهم شاركوا- أن يسهموا في تغيير أمور صار محتماً عليهم الآن الالتزام بها وهي ربما تكون ضد رغباتهم ورؤاهم.
ثالثاً، تتجلى خسارة هذه الحركات بصورة أكبر حين شاركت بعض هذه الحركات في الحوار، فمعنى هذا أن الحركات التي شاركت، نجحت فى إيصال رؤيتها وهو ما افتقدته هذه الحركات. كما أن عليها أن تقبل بأطروحات تلك الحركات التي تختلف معها وتم اعتمادها في مخرجات الحوار.
أما بشأن الاستفتاء الإداري الخاص بدارفور فإن الحركات الدارفورية في الواقع تواجه معضلة ما بعدها معضلة: أولاً، نتيجة الاستفتاء -أياً كانت- سوف تصبح هي الترجمة الواقعية لرغبات وتوجهات أهل دارفور، فإذا لم تعترف هذه الحركات بالنتيجة وضعت نفسها فى مواجهة صريحة وغير متوافقة مع أهل دارفور الذين تدعي أنها تقاتل من أجلهم وإذا اعترفت بالنتيجة خسرت عدم توقعيها منذ البداية على إتفاقية الدوحة حتى يكون لها إسهام في علمية الاستفتاء.
ثانياً، الاستفتاء الإداري سوف تترتب عليه نتائج بعيدة المدى أقلها أنها تجعل أهل دارفور (أصحاب قرار) حقيقي في التأسيس لمنصة إدارية نابعة من إرادتهم للإقليم، في الوقت الذي فيه خسرت هذه الحركات أداء دورها في هذا التأسيس التاريخي.
وعلى كل فإن رفض الحاضر المعلوم في انتظار المستقبل المجهول هو ذروة الخسارة السياسية وسوء التقدير السياسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق