الأحد، 18 أكتوبر 2015

السودان في مجلس حقوق الإنسان.. مباراة خارج الميدان!

لا شك إن أكبر دليل على أن ملفات حقوق الإنسان وكل الادعاءات والمزاعم التي عادة ما تتمسك بها بعض الدول الكبرى وتذرف بشأنها الدموع هي في خاتمة المطاف محض ملفات سياسية، تستخدمها ذات هذه القوى الكبرى حسب الحاجة ومتى كانت تحقق لها مصالح ما أو أهداف، أكبر دليل على هذه الفرضية، أن الولايات المتحدة التي كانت قد هددت بإرجاع السودان من البند العاشر إلى البند الرابع وظلت طوال الفترة الماضية تهدد وتتوعد بذلك، هبطت -فجأة- وعبر عملية تفاوض بما يشبه الصفقات والمساومات إلى ترك السودان في ذات البند، مع قليل من الضغط الخفيف في هذا الصدد، في ذات البند!
هذا الدليل القاطع على أن ملف قضية حقوق الإنسان إنما هو ملف سياسي ربما لم يكن أمراً جديداً نكشفه لتوّنا، فهو معروف بالضرورة منذ قديم الزمان، بل لا نغالي إن قلنا إن ملفات حقوق الإنسان إنما جرى خلقها خلقاً من العدم من قبل هذه الدول الكبرى لاستخدامها فقط في تحقيق أهداف سياسية. وعلى ذلك يمكن أن نستنتج من هذا الموقف –رغم كونه مألوف– عدة مؤشرات ونقاط إستراتيجية مهمة للغاية:
أولاً، طالما أن التحريك من بند إلى بند قابل للتفاوض والمساومة بغض النظر عن حقائق الواقع فإن هذا يعني بالضرورة إن مزاعم انتهاك حقوق الإنسان هي منذ البداية وفي الأصل غير صحيحة ولا تستند على أساس، فالحقائق والوقائع الصحيحة الثابتة لا يتم إخضاعها للتفاوض ولا يتم أي نقاش حولها، وهذا بدوره يؤكد أن السودان ظل طوال الحقبة الماضية ضحية لمزاعم وأكاذيب جرى اختلاقها اختلاقاً لاستخدامها -كلما دعت الحاجة- من أجل إضعاف موقف هذا البلد في القضايا الكبرى المهمة.
ثانياً، طالما أن الولايات المتحدة لديها (قضايا عالقة) مع السودان بغض النظر عن مشروعية تلك القضايا من عدمها أو حتى النزول والصعود تبعاً لطبيعة العلاقة والمدى الذي وصلت اليه، وهذا ربما كان أمراً يضطر السودان في كل مرة للتعامل معه بذات منطق واشنطن الأعوج ولكنه من الناحية الموضوعية المحضة يكشف بوضوح ألاّ منطق ولا موضوعية في إدانة أي بلد بشأن حقوقي أو تبرئته!
ثالثاً، مؤدى النقطتين السالفتين أعلاه ونتيجتهما المنطقية أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف هو الآخر بحاجة إلى إصلاح وإضفاء قدر من المصداقية والموضوعية على طريقة تعاطيه مع دول العالم بمعايير ثابتة ومقاييس موضوعية بعيداً عن المصالح الدولية وسياسات الدول الكبرى، وهو أمر يرتبط إرتباطاً وثيقاً للغاية بقضية إصلاح المنظمة الدولية والتي يتحكم في مفاصل القرار فيها عملياً بضع دول كبرى هي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تمتلك حق إصدار اخطر القرارات أو الاعتراض على القرارات الصحيحة حسب الحال.
إصلاح الأمم المتحدة ربما يفضي لإصلاح مجلس حقوق الإنسان لاعتماد معايير موضوعية ثابتة في التعامل مع هذا الملف.
رابعاً، إن السودان كواحد من الدول التي ظلت تعاني من إتهامات إنتهاك حقوق الإنسان باستمرار وباتت تلاحقه هذه المزاعم حتى تسيطر على تحركاته، مطالب بأن يعيد ترتيب أوراقه جيداً بشأن هذا الملف. صحيح أن الأمر يتعلق بكيفية إدارة علاقاته وصراعاته مع القوى الكبرى، ولكن بالمقابل فإن بإمكان هذا البلد أن يعيد ترتيب كل أموره بحيث يتفادى باستمرار هذه المواجهات التي عادة ما تسبق انعقاد المجلس.
بإمكان السودان أن يستغل ويوظف علاقاته الإقليمية والدولية طوال العام حتى يظل في وضع يمكنه من دخول المواجهة بسلاح أقوى. أما على المستوى الدولي فإن العالم الذي يبدو وكأنه قد استراح لهذا النظام الدولي البالغ التعقيد، الخالي من العدالة والموضوعية، عليه أن يسعى لإعادة النظر إجمالاً في كل مناحي العمل الإنساني بوجه عام، إذ ليست المشكلة في الخلل الواضح لهذه الأجسام التي نراها تتحكم في مفاصل الحركة في العالم، وإنما المشكلة في أن يوفر أعضاء المجتمع الدولي الحد الأدنى من العدالة والموضوعية لصالح الإنسانية جمعاء، لكي تكون لصالح الجميع فعلاً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق