الأحد، 4 أكتوبر 2015

لماذا عادت كمبالا إلى الخرطوم؟

الثابت الأبرز في علاقات السودان بجيرانه، أن الجيران يخطئون ويمعنون في الخطأ ثم ما يلبثوا أن يدركوا أخطاءهم ويبدؤون بالبحث عن ذات الحلول القديمة التي كان يتعين عليهم -قديماً- أن يأخذوا بها. على سبيل المثال، فإن هذا الأمر حدث مع الجارة ارتريا وانتهى بتوقيع اتفاق جبهة الشرق أواخر العام 2007م.
الأمر نفسه تكرر مع الجارة تشاد وانتهت قبل سنوات بأنموذج أمني شديد الأهمية حين تم تتويج إنهاء الخلاف بتكوين قوات مشتركة لتأمين الحدود. التجربتين أنتجت ثماراً سياسية يانعة أفضت إلى حال استقرار صارت مضرباً للمثل في المنطقة بأسرها.
الآن -للمفارقات- جاءت كمبالا التي استغرق تماديها في العناد والعداء والخطأ عقوداً من السنوات لكي تعود إلى ذات النقطة الأولى، التخلي عن المكايدات ودعم المسلحين والبحث عن أرضية تعاون مشتركة مستمرة ومفيدة للجانبين!
ربما كان الفارق الوحيد في موقف كمبالا عن كل من اسمرا وأنجمينا ان يوغندا لا ترتبط بحدود مباشرة مع السودان اذا ان ما بينهما دولة جنوب السودان الوليدة. ولكن من المؤكد ان الحسابات الاستراتيجية البالغة الاثر والأهمية التى دعت الرئيس اليوغندي ليتكبد عناء هذه الرحلة الطويلة من كمبالا الى الخرطوم ماراً بجوبا ويقضي يومين بالتمام والكمال في العاصمة السودانية الخرطوم التى لطالما ناصبها العداء لعقود خلت هي حسابات واقعية ضاغطة لا تكفي القنوات الدبلوماسية العادية لاحتمال درجة حرارتها.
الرئيس موسيفيني الذي لم يستطع إخفاء إعجابه بالتطور المهول في العمران والتطور في الخرطوم، بدا بذات القدر وكأنه يبدى دهشته البالغة من (افكاره غير الصحيحة) وانطباعاته عن القيادة السودانية في الخرطوم. كان الرجل مأخوذاً تماماً بما رأى وسمع ولهذا فإن الرئيس اليوغندي بعد الزيارة لم يعد كما كان قبلها وإذا أردنا تعداد حصيلة محادثاته ودوافعه من الزيارة فإننا نجد:
أولاً، أن الرجل بدا راغباً بجدية في علاقات عادية وطبيعية مع الخرطوم، ربما لشعوره بأن الخرطوم ذات العلاقة الوثيقة بإثيوبيا ضرورية لخلق توازن في علاقاته الإقليمية فالنفوذ الاقليمي لم يعد فقط يعتمد على اللعب الاستخباري!
ثانياً، ربما أدركت كمبالا أيضاً ان السودان شديد الاهمية في عملية استقرار دولة الجنوب حيث يمتد نفوذ الرجل ولو بالنسبة له شخصياً على الأقل، وكلما كانت علاقاته بالخرطوم عاقلة وطبيعية كلما أمكنه ذلك من ضمان توازن علاقاته بلاده بجوبا؛ وهي نظرية سياسية قديمة ومعروفة في العلاقات الدولية احتاج الرئيس موسيفيني لأكثر من 5 أعوام لإدراك ابعادها.
ثالثاً، الرئيس اليوغندي ربما لاحظ بوضوح ان الخرطوم وواشنطن تقتربان ولو بدرجة ما ولو ببطء أيضاً وهو يتحسّب من أن تنجح الخرطوم في إستمالة واشنطن عاجلاً أم آجلاً، وكمبالا بعيدة عن هذه التطورات.
وعلى أية حال فإن الرئيس اليوغندي المعروف بمواقفه المتقلبة تبعاً لمزاجه ومقتضيات اللعبة التى يلعبها، يبدو هذه المرة مجبراً على التعامل مع السودان باحترام ومصداقية حيث التزم بنزع سلاح الثورية والتخلي عن دعمها والعمل على حل الازمة الجنوبية الجنوبية والحرص على علاقات جيدة مع الخرطوم، وكلها امور ضرورية لمصلحة الرجل لأنه -للأسف الشديد- لم يدرك خطا حساباته إلاّ مؤخراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق