الأحد، 11 أكتوبر 2015

الفبركات الإسفيرية وأضرارها البالغة!

تظل قضية الناشط السوداني (وليد الحسين) الموقوف على ذمة قضية امن دولة جنائية بالمملكة العربية السعودية لنشره وثيقة مخابراتية زعم الناشر وليد أنها صادرة عن المخابرات السعودية؛ تظل هذه القضية الخطيرة بكل المقاييس نموذجاً حياً على حجم وفداحة المعاناة الهائلة التي خلفتها حرية النشر في الوسائط الالكترونية الحديثة في الانترنت وفي وسائل التواصل الاجتماعي والواتساب وغيرها من قنوات النشر التي لا تحكمها ضوابط قانونية واضحة.
الفضاء الاسفيري الواسع النطاق الذي بات يتحكم في انسياب المعلومة عبر العالم في عصرنا الحاضر بحيث يضخ الخبر أو تضخ الأخبار في لحظات -غثّها وسمينها- أصبح بدون شك واحداً من أسوأ كوابيس الأمن القومي للدول فى وقتنا الراهن.
وقبل أن يعتقد البعض أننا هنا نتحامل على الشاب السوداني ونرميه بكل سوء، فإن من المهم أن نشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ورغم كونها دولة عظمى ذات سطوة وقوة ظلت وما تزال تتقلب على جمر ولهيب هذا الوضع جراء التسريبات الاستخبارية التي تولاها (سنودن) وسعت وما تزال تسعى بشدة لاعتقال الرجل بأي ثمن بعد أن عانت من تسريباته اللئيمة بغض النظر عما إذا كانت وثائقه التي يقوم بتسريبها صحيحة أم لا.
هنالك الكثير من دول العالم تكونت لديها حساسية بالغة جراء الألاعيب وعبث الفضاء الاسفيري إذ لا يتطلب الأمر سوى ضخ المعلومة وبثها والأسوأ أن بإمكان أي شخص في أي زمان ومكان أن يبث ما يمكن أن يزعم أنها (وثيقة) صادرة عن جهة ما، إذ أن اقل ما يمكن أن يحققه هذا النشر -على أدنى تقدير- إشانة سمعة الجهة المذكورة أو التشكيك في صحتها ونزاهتها.
كما أن هذا الوضع يثير شكوكاً غير ضرورية في منسوبي الجبهة المعنية وما إذا كانوا غير أمناء على الوثائق التي بحوزتهم! لكل هذا بلا شك أضرار بالغة سرعان ما تلحق بالدولة المعنية ومؤسساتها ويصعب جبر الضرر أو معالجته بأي حال من الأحوال.
السودان في الفترة الأخيرة عاني من هذه الممارسات الاسفيرية غير المسئولة و لم تقتصر الأضرار الناجمة عن هذا النشر على الأجهزة الحكومية الرسمية، هنالك أسر وعوائل وأشخاص عانوا وما يزالوا يعانون من نشر أخبار ووثائق مفبركة وغير صحيحة، تجعل سمعتهم الشخصية على المحك ويتضرر معارفهم وعوائلهم الممتدة داخل السودان وخارجه.
الذي فعله وليد الحسين وألحق أضرار بالغة بالأمن القومي للمملكة العربية السعودية أنه نشر وثيقة زعم أنها وثيقة مخابراتية سعودية! لم يكتف الشاب السوداني بهذا الزعم وإنما زعم في الوثيقة أن المخابرات السعودية تتقصى عن سبب قبول السودان المشاركة في عاصفة الحزم!
المدهش هنا أن المخابرات في أي دولة لا تكتب تقاريرها على هذا النحو الإسترسالي الذي يتم إقحام الحديث المرسل فيه على هذا النحو، كما أن أحداً لا يمكن أن يصدق إمكانية استخدام عبارات ركيكة صعبة القراءة والاستساغة في تقرير مخابراتي. كما أن أحداً لا يتوقع أن يقع خطأ كتابي أو طباعي -بحال من الأحوال- في تقرير مخابراتي هو في النهاية خلاصة معلومات يتم رفعها إلى جهة رفيعة.
وليد الحسين في الواقع مارس ممارسة (محلية) درج الكثيرون على ممارستها في الأسافير في سياق إلحاق الأضرار بالآخرين، وهي ظاهرة قضّت مضجع الكثيرين كما أوضحنا فهي تحدث تشويهاً شديد الإيلام ولا تشبه أخلاق السودانيين في شيء. إنها في الواقع قضية الإعلام المزعوم بينما هي لا صلة لها بأي حال من الأحوال بقواعد العمل الصحفي وأخلاقه وشرفه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق