الاثنين، 19 ديسمبر 2016

تحذيرات واشنطن .. العودة لتنسيق المواقف

عبد الله عبد الرحيم
-في بيان فاجأ الحكومة السودانية, طالبت فيه الإدارة الأمريكية الخرطوم بضبط النفس إزاء الدعوات الداعية للعصيان المدني اليوم الإثنين، وطالبتها باتخاذ الخطوات اللازمة لتمكين المواطنين من ممارسة حقهم في حرية التعبير. فيما أعرب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، عن قلق واشنطن من تهديدات الحكومة السودانية رداً على دعوات المجتمع المدني لعصيان مدني . فيما وصفت الخرطوم بيان الخارجية الأمريكية بشأن دعوات العصيان المدني, بالفاقد للدقة والموضوعية، وبعده التام عن الأجواء الإيجابية التي تشهدها الساحة السودانية التي تتهيأ لتنزيل توصيات ومخرجات الحوار الوطني والمجتمعي على أرض الواقع. وأكد بيان الحكومة حرصها و التزامها على أمن وسلامة مواطنيها وعدم التهاون مع أي تهديدات تمس أمن وسلامة البلد.   ويأتي رفض الحكومة للبيان الأمريكي بحسب مراقبين من منطلق أنه جاء في توقيت دعت فيه القوى الشبابية إلى العصيان وحددت له اليوم 19 ديسمبر, ما يعد خرقاً واضحاً للأعراف والتقاليد الدولية باعتباره تدخلاً في الشأن الداخلي لدولة كاملة السيادة على أراضيها وشعبها  . وبحسب مراقبين فإن ما ذكر في البيان الامريكي من عبارات ألقت بأعباء أكثر من اللازم لإنجاحه.
يأتي هذا بينما شهدت ساحة البلدين قبل أكثر من عامين تحركات رسمية لإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية (السوداء) أو ما عرفت بقائمة الدول الراعية للإرهاب , وكانت تلك التحركات تهدف إلى تنسيق المواقف بين البلدين في القضايا المشتركة بيد أن الحال المتذبذب للدبلوماسية الأمريكية حال دون حدوثها. ويضيف الخبير الإستراتيجي الأمين الحسن لـ(الإنتباهة) أن تلك الجهود قاربت لوضع العلاقة بين البلدين- أمريكا- السودان، فى إطارها الصحيح بإزالة ما علق من غبار وما أصاب واجهة الشراكة الدولية من غبش بين البلدين. وأكد الحسن أن هذا الموقف لن يكون الأول من نوعه على الإدارة الأمريكية التي دخلت في مواقف شبيهة في تعاملها مع السودان آخرها تجديد العقوبات والحظر الاقتصادي على البلاد قبل أقل من شهر من الآن. مؤكداً ان هذا البيان ليس بأسوأ من الآخر التي ذهبت قبل أن تعود العلاقة بين البلدين لما يتوجب عليه أن تكون, بيد أن الأمين يقول إن مواقف واشنطن كانت حيال كل تلك المحاولات لا تبتعد عن دورها كرائدة للعدالة الاجتماعية والسياسية في العالم وبين الدول غير أنه يشير إلى أن المرحلة التي تمر بها الحكومة اليوم تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اهتمام الإدارة الأمريكية اليوم لم يتخط السودان وإنما هو ما زال في إطار اهتماماتها ,وقال إن البيان الأمريكي يؤكد أن واشنطن أرادت ان تقول للحكومة إننا نعتني بكل الأطراف وليس طرفاً دون الآخر. فالجزء الأول من الرسالة كان موجهاً للحكومة بضبط النفس حيال ما ينتج من عصيان مدني, فيما كانت الرسالة الأخرى على علاقة بالإعلام والصحف والقنوات ومحاولة التضييق عليها من قبل الحكومة وإغلاقها ,وأيضاً رسالة واضحة المعالم في علاقة النشر حول العصيان والدعوات الموجهة له. ويضيف الحسن إن على واشنطن أن تضبط خطابها لدوام حسن العلاقات الدولية في إطار التعاون الدولي, ولكنه دعا الحكومة في الخرطوم إلى التعامل وفق القيم والمثل في قضايا تهم الرأي العام والدولي.
ويضيف د. السر محمد الأكاديمي والمحلل السياسي لـ( الإنتباهة) أن الولايات المتحدة أصبح هذا هو شأنها في التعامل مع السودان على مر الأزمان . وقال إن الحكومة كانت قد اتبعت طريق التعامل بالمثل حينما رفضت الخارجية الأمريكية منح تأشيرة دخول لوفد وزاري سوداني عالي المستوى لحضور مؤتمر دولي عقد في واشنطن بأن ردت برفضها منح تأشيرة دخول للمبعوث الأمريكي الخاص للسودان, بيد أنها تراجعت عن ذلك ووافقت وسمحت له بالدخول. ويقول السر إن الحظر الاقتصادي على السودان كفعل أمريكي، ظل يشكل عقبة كبيرة للاقتصاد, فقد ظلت واشنطن تعمل على تجديده كل عام وتضع شروطاً مقابل رفعه ، وبالمقابل يعمل السودان بكل جهوده لمحاربة الإرهاب والتوصل الى سلام وطي ملف الصراع ، وتأثر المواطن من الحظر المفروض في كثير من مجريات حياته المعيشية اليومية ، فقد عانى من آثار انفصال الجنوب 2011 ، فضلاً عما هو عليه من حظر اقتصادي ، أمر عطل عجلة التنمية لكثير من المجالات ، مما حمل نشطاء ومهتمون بالدفع بمطالب لواشنطن بان ترفع الحظر المفروض منذ 1997 ، والتي عملت على رفع جزء منه في مجال الاتصالات والبرمجيات والمعدات الزراعية, ومؤخرا رفعت الحظرعن  قطع غيارالسيارات والطائرات ، ومنذ أن وقعت الحكومة مع الحركية الشعبية لتحرير السودان 2005 اتفاق السلام الشامل والذي نص على بنود نفذت الكثير منها ولم يتبق سوى القليل الذي ظل عالقا بين دولتي السودان وجنوب السودان, حيث أسهمت الحرب الدائرة بالدولة الوليدة على تجميد اتفاقيات التعاون المشترك الموقعة بين السودان وجنوب السودان 2001 ، وما تبقى من قضايا عالقة بينهما ، إلا ان واشنطن تتحدث بلسان منظمات وجهات لها مصلحة في تفتيت السودان وقطع طريق السلام الذي انتظم البلاد منذ إطلاق الرئيس البشير الدعوة للحوار الوطني في خطاب الوثبة الشهير والذي وجد قبول كثير من القوى السياسية منها سياسية وأخرى مسلحة بعد أن اختارت طريق السلام والوصول لفهم كبير ان الحرب مدمرة للبلاد ، ويؤكد د. السر أن واشنطن تعمل على مد يدها بجزرتها للخرطوم أحياناً ومرات أخر تقوم بتسليط عصاها في وجه الخرطوم على نحو ما جرى اليوم في بيانها الاستنكاري لممارسات الخرطوم ضد مواطنيها ، فهي متقلبة في مواقفها أينما تكن مصلحتها تجد نفسها .
سارعت الخارجية السودانية، بالرد على البيان الأمريكي، على ذات النحو، بأن البيان  جاء معدوم الدقة والموضوعية وبعيد تماماً عن الأجواء الإيجابية التي تشهدها الساحة السودانية والتي تتهيأ لتنزيل مخرجات الحوار على أرض الواقع". وأشار الى أن تنفيذ مخرجات الحوار يأتي توسيعاً لدائرة المشاركة على طريق التبادل السلمي للسلطة وتحقيق التنمية المستدامة. واكد أن دستور السودان يكفل حرية التنظيم والنشر والتعبير وفقاً للقوانين السارية. مضيفاً "حيث ينشط على الساحة ما يزيد عن ثمانين حزبا سياسيا وتصدر أكثر من عشرين صحيفة سياسية يومية تعبر عن مدى التنوع الفكري والسياسي في البلاد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق