الاثنين، 28 أغسطس 2017

«السراج في الخرطوم» .. ترتيب معادلة التوازن

هيثم عثمان
هنا في الخرطوم, وعلى ضفاف النيل بالقصر الرئاسي ووزارة الخارجية شرقاً, ترتقي بصفة مستمرة عناصر القلق لدى المسؤولين تجاه الدعم الليبي للحركات المسلحة السودانية،
ومنذ عهد الرئيس الراحل معمر القذافي اشتكت الحكومة من دعم الحركات المسلحة وهي السمة الأبرز التي ظلت تتحكم في العلاقة بين السودان وليبيا, ومع الثورة الليبية, أعلنت الحكومة وقفتها بقوة خلف الثورة التي اجتاحت نظام القذافي وانهته, لكن أطل قذافي جديد في نظر الحكومة وهو «خليفة حفتر», وحفتر الذي ظل يدعم ويستعين بالحركات المسلحة في الحرب بليبيا يضاهي الآن القلق الأعظم للحكومة في الخرطوم. وبالمقابل هناك رئيس الوزراء الليبي فائز السراج الأقرب للخرطوم وقريب منها. ولعل الزيارة التي يبدأها اليوم السراج للعاصمة الخرطوم, هي عنوان آخر لمحاولة ترتيب معادلة التوازن وتقويتها. فحفتر التقى السراج قبيل فترة في باريس، وقبلها في أبوظبي في مايو الماضي في محاولة تقريبية لحل الصراع الليبي. والحكومة التي تنظر الى السراج لإنهاء قلقها من دعم الحركات ووقفها وتجريدها من السلاح، تستقبل السراج اليوم في زيارة رسمية للبلاد يلتقي عبرها الرئيس عمر البشير والنائب الأول للرئيس ورئيس مجلس الوزراء القومي بكري حسن صالح.
«1»
قبل فترة أعلنت وزارة الخارجية، رفضها التام لما جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي الذي يقوده اللواء خليفة حفتر، حول صلة السودان بأطراف على الساحة الليبية، مؤكدة مواصلة السودان لدوره في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار للشعب الليبي الشقيق. وكان المتحدث باسم الجيش الليبي العقيد أحمد المسماري اتهم قطر وإيران والسودان بدعم "جماعات إرهابية" في ليبيا، وقال إن السودان "يدعم الجماعات الإرهابية في ليبيا ويوفر لهم التدريب والسلاح الذي تحصلت عليه تلك الجماعات من قطر وإيران عبر ممرات وفرتها حكومة الخرطوم"، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الليبية.
ونفت وزارة الخارجية، في بيان سابق، تصريحات المتحدث باسم الجيش الليبي، قائلة إنها "احتشدت بالمغالطات والأخطاء الواضحة في أسماء وصفات بعض القيادات السودانية، الأمر الذي فضح عجز من يقفون وراءها.
وبالتأكيد تقع تلك الجزئية في مرتبة مهمة لموضوعات الزيارة، وهي الاتهامات التي تكيلها جماعة حفتر للحكومة في الخرطوم وتأثيرها على العلاقات بينهما وعلى العلاقات الإقليمية والدولية للسودان, وهي جزئية من الأهمية بمكان بحسب ما يرى ويعتقد المتابعون لجهة أن الاتهامات غض النظر عن حقيقتها أو تلفيقها، هي مؤثرة للغاية خاصة مع ما يجري من صراع في ليبيا نفسها وتأثيره على المحيط الإقليمي والمنطقة.
«2»
وتعليقاً على الزيارة, أوضح دبلوماسي رفيع المستوى لـ"الإنتباهة" أنها تأجلت من مارس الماضي نسبة للأوضاع الداخلية التي تعيشها ليبيا آنذاك. وأضاف أن الزيارة تعتبر من أهم الزيارات للمسؤولين الليبيين للسودان في ظل عدم وجود زيارة متبادلة نسبة للأوضاع هناك، وهي فرصة وصفها بالجيدة لعكس وجهات النظر ونقل ما يدور من حقائق داخل ليبيا.
«3»
ولم تشهد علاقة الخرطوم أي توتر مع حكومة السراج ، خلافا للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق (شرق ليبيا) والتي درجت على اتهام الحكومة بتسليح مليشيات في ليبيا.
وأغلقت الحكومة المؤقتة القنصلية السودانية في مدينة الكفرة (جنوب شرق) بدعوى ارتكاب موظفيها ممارسات تمس بالأمن القومي الليبي. ونفت الخرطوم في يونيو الماضي, أية صلة لها بأطراف النزاع في ليبيا رداً على اتهامات من قوات خليفة حفتر للسودان بدعم وتدريب الجماعات "الإرهابية" في ليبيا، وتوفير السلاح عبر الحدود.
«4»
زيارة السراج التي تبدأ اليوم للخرطوم ، تحمل كثيراً من الملفات المهمة، تقابلها ملفات أخرى وهموم للحكومة هنا، ومعلوم أن العلاقة بين البلدين تمر بمتلازمة متأرجحة الصعود والهبوط وفق ما يجري من سياسات هنا وهناك. وظلت العلاقات الدبلوماسية مرتبكة , وفشل غالبية وزراء الخارجية في إيجاد مشفى دبلوماسي لشفائها من علامات وحمى الارتباك والاتهامات, ومع ذلك فإن التواصل الذي فرضته ظروف البلدين أوقع واقعاً إجبارياً عليها خاصة وأن هناك ملفات مهمة للغاية وثنائية لا مفر من مواجهتا ثنائياً, مثل تهريب البشر والسلاح وغيرهما من الجرائم العابرة. فكثير من الأفارقة يرغبون في اتخاذ طريق السودان – ليبيا للانتقال الى أوربا. ومع ذلك فالتعامل الثنائي ليس بالشكل المطلوب نظراً لما يراه دبلوماسي سابق تجاه الظروف الليبية السياسية المعقدة. ويجزم الدبلوماسي أن عودة الاستقرار إلى ليبيا سيسهم في حل كل معضلات العلاقة بين البلدين. وتوقع الدبلوماسي أن تشكل الزيارة مفتاحًا لفتح كثير من الأبواب المغلقة بفضل الشك والريبة والاتهام. ويضيف " أعتقد أن مقابلة السراج للرئيس ستضع كثيراً من الأمور في مسارها الصحيح ونصابها السليم".
«5»
السراج، سيبحث وفق المعطيات مزيداً من التعاون وتوفير الدعم والمساندة لحكومته، خاصة وأنه أعلن خلال لقائه قيادات عسكرية وأمنية في العاصمة طرابلس قبل أيام, أن رفع الحظر عن التسليح المفروض على الجيش الليبي "بات قريباً"، معتبراً الجيش الليبي "واحداً منذ تأسيسه وسيظل كذلك، وهو أمر يحظى بقبول جميع الأطراف." ويعتمد السراج أو ربما يعتمد على الخرطوم في إعادة ترتيب أوراق الجيش الليبي المبعثرة وفق القرارات الدولية التي منعت تسليحه, وربما تكون أحد المطالب توفير التدريب وإلحاق الضباط بدورات متقدمة في الخرطوم.
«6»
وعلى المستوى الداخلي الليبي التقى السراج بحفتر في باريس قبل فترة قصيرة وناقشا حل الأزمة الليبية وإيجاد تفاهم سياسي بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي وقائد الجيش الليبي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها الطرفان هذا العام، حيث سبق أن أجريا محادثات في أبوظبي في مايو الماضي، اتفقا خلالها على تشكيل مجلس رئاسة للدولة يضم كلاً من السراج وحفتر، إضافة إلى عقيلة صالح رئيس مجلس النواب. ويعوّل الليبيون ومن ورائهم القوى الدولية خاصة دول الجوار الليبي، على هذا اللقاء، لإحياء العلاقات السياسية بين الجبهتين الشرقية والغربية، وإيجاد صيغ جديدة للتفاهم على خارطة طريق ترضي جميع الأطراف وتسهم في حل الأزمة العاقة، وإنهاء حالة الفوضى السياسية والميدانية في البلاد.
من جهته، توقع الكاتب والمحلل السياسي الليبي سامي عاشور، أن "تقوم فرنسا والقوى الدولية في هذا اللقاء الجديد بين الطرفين، بإقناع فايز السراج ومن ورائه كل أعضاء المجلس الرئاسي بضرورة قبول حفتر في المشهد السياسي"، مضيفاً أن "السراج يتعرض لضغوط ".
«7»
فائز مصطفى السراج, أو فايز السراج من مواليد  20 فبراير  1960 في طرابلس، وهو  سياسي ليبي تم اقتراحه في 18 أكتوبر 2015 رئيساً لحكومة الوفاق الوطني، وهو كذلك عضو مجلس النواب عن دائرة حي الأندلس – طرابلس. ويعتبر من الشخصيات المؤهلة والتي تتمتع بالهدوء والحكمة في اتخاذ القرارات، وله علاقات دولية جيدة. كما أن  فائز السراج هو ابن مصطفى السراج، أحد رفقاء السياسي بشير السعداوي في حزب المؤتمر، ووزير الاقتصاد، والتعليم في العهد الملكي.
 مسيرته
حصل السراج على بكالريوس في العمارة والتخطيط العمراني سنة 1982 من جامعة الفاتح (الآن وماجستير في إدارة الأعمال سنة 1999. وهو عضو حزب التحالف القومي الوطني طرابلس وعضو الهيئة التحضيرية للحوار الوطني.
في بداية حياته المهنية، عمل مهندساً في إدارة المشروعات بصندوق الضمان الاجتماعي، وعمل مستشارا هندسيا فكانت له مشاركات بالعديد من اللجان المتخصصة لدراسة وتصميم المشروعات. كما اتجه إلى العمل الخاص فكان عضواً مؤسساً لمكتب تريبوليس للاستشارات الهندسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق