الأحد، 3 مايو 2015

شريان الأمل بين مصر والسودان

بقلم :د. صلاح الدين محمد*
منذ نشأنا في دروب وعينا صغاراً، وقد ترسخت عقيدة مفادها في المقام الأول أن بلاد العُرب هي أوطاننا، ثم تعلمنا الكثير عن الروابط التي تجعل من عالمنا العربي عالما شبكيا تربطه أواصر الديانات واللغة والتاريخ والحضارة والعادات والتقاليد، ترسخت في أذهاننا الصغيرة تلك المفاهيم التي كانت بمثابة النقش على الحجر حتى عايشنا العكس.

واقع الأمر وحين اتسعت مداركنا، وجدنا أن الصورة على الواقع تختلف عنها في الكتب والصفوف الدراسية، مثل الكثير من شعارات عن سماحة الأديان، وحقوق الجار والتعايش السلمي مع الآخر القريب والمجتمع الشامل، وعرفنا عن التكافل بين طبقات المجتمع، والتكامل بين دول عالمنا العربي، إلا أن هذا أيضا كان مجرد حلم بإمبراطورية أفلاطونية لا وجود لها إلا في الخيال، وكتب المدارس التي تعلمنا فيها.

لم نكن نعي أن هناك علاقات دولية جعلت من العرب المنظومة الأضعف فيها، ومن ثم حاولنا أن نعرف إلى أي مدى تؤثر تلك العلاقات الدولية في علاقات الدول، حتى أصابتنا خيبة أمل في أن العيب لم يكن يوما إلا فينا مع الاحتفاظ بأدق التفاصيل، وكانت ثمة عوامل جعلت من العالم العربي مجرد كيان على الخريطة العالمية لا يُحسب له أي حساب، ودائماً ما نشاهده في موقع المفعول به وليس الفاعل، ونشأ أبناؤنا بين وهم عاشه الآباء، وكفر بمشروع وطن عربي واحد تجمعه روابطه.

في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بالنسبة للمتابع أو المهتم، بدت بوادر صحوة عربية ولو خجولة تلوح في الأفق، بدأت بمشروع تكوين جيش عربي مشترك نتيجة لأحداث تهدد الجميع، وضخ استثمارات في بلد مثل مصر يعاني مرحلة تكسير العظام التي إن لم تُجبر اقتصادياً، ربما أدى ذلك إلى تكون بقعة سوداء تبدأ بابتلاع مصر نفسها ولا تنتهي عند أي قطر عربي، كما أنها الأساس الذي لا غنى عنه للبناء عليه ولهذا وجب التنبيه والتنبه.

نود التركيز هنا على أهمية المشاريع العربية المشتركة في كل النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها، فالجميع يعي أنه لا فائدة ولانفع يُرجي من عالم عربي تذروه الرياح، والكل يعي أيضا أن للعرب صحوات لابد أن يُؤخذ على أيديها مع اغتنام فرصها التي ربما لا أو لن تتكرر، وظني أن أحد أهم المشاريع التي تم افتتاحها مؤخراً هو مشروع ميناء "قسطل-أشكيت" البري بين البلدين، ليكون ليس فقط مجرد معبر مفتوح لحركة تنقل الأفراد والبضائع، بل بمثابة الشريان الذي يضخ دم الحياة بين القطرين الشقيقين بعد أن أوشك أن يَجِّف، هذا إذا حسنت النوايا والإرادة.

فقد افتتح كل من المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء المصري، ونائب الرئيس السوداني، الفريق أول ركن بكري حسن صالح يوم الخميس الماضي الموافق الثلاثون من أبريل 2015 ميناء "قسطل-أشكيت" وهذا أمر غاية في الأهمية من منظور شخصي لعدة عوامل نذكر منها مايلي:

أولاً، الميناء الجديد بداية يوفر مروراً مناسباً للبضائع الإستراتيجية بين البلدين، كما يفتح المجال للامتداد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً إفريقياً يجعل من السودان ممراً تجارياً جنوبياً ومصر منفذاً شمالياً للكثير من مشاريع عالمية. كما أن العلاقات التاريخية بين البلدين تسمح بخروج العلاقات من الأسلوب الإنشائي في التعبير عنها إلى الأسلوب العملي الحقيقي لها. فلم تعد الشعوب ئؤمن بالشعارات الرنَّانة، ولكنها شعوب قادرة على الصبر على قياداتها علها تُنجز ما يُحقق مصالح البلاد والعباد.

ثانياً، على المستوى الدبلوماسي والسياسي، فالواقع أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يقوم بجولات مكوكية شرق الكرة الأرضية وغربها، وشمالها وجنوبها بحثاً عن استرداد المكانة المصرية التي غابت لعقود آن الأوان لمصر أن تستردها، ومن ثم تستعيد مصر قوتها الناعمة ومن خلال جوارها وأشقائها العرب ما يؤدي بالضرورة إلى تكوين لوبي عربي له ثقله في الساحة الدولية يستطيع دون ضغط يُذكر أن يرفع الحظر الجائر عن السودان الذي فرضته عصابة من بلاطجة الغرب لا يفهمون إلا لغة القوة ولو غير العسكرية، وليس للعرب أي قوة إلا إذا اتفقنا مبدئياً أنها تكمن في وحدتهم التي أضحت بمثابة فرض وجود لا رفاهية اختيار.

ثالثاً، من خلال ميناء "قسطل-أشكيت" وموانىء أخرى قد يُكتب لها الوجود، يمكن التحرك الثنائي والإقليمي والدولي من خلال اتفاقيات تعاون مشتركة في مجالات تجارية واستثمارية وأهمها، من منظور شخصي، السياحية. فالسودان ليس فقط امتداداً جغرافياً لمصر، أو العكس، بل كلاهما امتداد حضاري للآخر، وبهما من الموروثات الثقافية الكثير المشترك، ومن ثم، فالسياحة لابد أن تًوضع على جدول أعمال كافة المؤتمرات الخاصة بالتعاون بين الدولتين. لقد ساق القدر لكاتب المقال أن يعيش لفترة عمل في السودان كرئيس قسم السياحة ومدرب فني للمرشدين السياحيين بالسودان حتى حينه تحت مظلة المشروع القطري السوداني لتنمية آثار النوبة، وهو مشروع له ثقله فيما يخص العلاقات العربية الأخوية ونموذج يحتذى في العلاقات العربية العربية، وكان اللافت في أرض السودان الزراعة والسياحة والمؤكد أن المجال يسمح بتعاون تام في المجالين بين مصر والسودان وغيرهما.

رابعاً، من خلال اتفاقية الحقوق الأربعة التي تمنح كلا الشعبين حقوقاً مشتركة، تستطيع الدولتان جذب عناصر استثمارية من عمالة مصرية مُدَّربة وخاصة في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والبناء وغيرها ليتحول حلم الأرض الخضراء إلى واقع.

المناخ في اللحظة التاريخية الحالية ربما لن يتكرر ويجب أن يُؤخذ كنواة لعلاقات عربية عربية جديدة تُجدد آمال عريضة للشعوب ربما بدأت بالفعل بُغية استرداد وطن عربي أوشك أو كاد أن يكون في عداد المفقودين.
* (باحث في العلاقات الدولية)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق