الاثنين، 29 أغسطس 2016

الأوضاع في دولة الجنوب والأوضاع في السودان.. غرائب ومفارقات!

ربما كان صحيحاً أن المجتمع الدولي بأسره قلق للغاية من تردي الأوضاع المتوالي في دولة جنوب السودان . الأمم المتحدة تعاني الأمرّين ما بين محاولة معالجة الوضع الأمني المتفاقم بإرسال قوات إضافية للحماية، وما بين ضمان وصول المساعدات
الانسانية!
 الولايات المتحدة من جانبها حائرة فيما يمكن أن تفعله، وأبلغ دليل على ذلك أن صحيفة (النيو يورك تايمز) وتحت عنوان (حان الوقت للتعامل بجدية مع جنوب السودان) نشرت مقالاً مطولاً ومؤثراً في هذا الصدد في عددها الصادر في 9/8/2016م ذرفت فيه الدموع على السكان المحليين، والمواطنين الذين (لم ينعموا بالاستقرار) بعد 5 سنوات على استقلالهم!
ويضيف المقال لقد (خذل) قادة الجنوب ومعهم مجلس الأمن شعب الجنوب. المقال تعرض لحديث نقلاً عن رئيس مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أشار فيه إلى انتهاكات وحالات اغتصاب جماعي ارتكبتها قوات الرئيس سلفا كير في حق مواطنيها!
 المقال أشار أيضاً إلى حالات قتل وإعدامات طالت العشرات من قبائل النوير، وتخوف من أن تكون إدارة الرئيس أوباما تخشى فقدان الرئيس سلفا كير للسيطرة على الأمور إذا تم فرض حظ سلاح كامل!
 هذه ربما كانت هي معاناة ومخاوف المجتمع الدولي من تردي الأوضاع في دولة جنوب السودان؛ وهي دون شك حقائق صادمة ومريرة، ولكن بالمقابل فإن السودان الدولة الأم، والجار الملاصق لدولة جنوب السودان هو الآن تحمل عبئاً أمنياً إضافياً جراء أحداث دولة الجنوب. إذ من الغريب أن الجنوب كان وعلى امتداد ما يفوق الـ50 عاماً من عمره عبئاً أمنياً قاصماً لظهر الدولة السودانية دارت خلالها أطول حرب أهلية شهدتها أفريقيا.
 والآن وحتى بعد أن أعطى السودان الجنوب كامل حقه في إقامة دولة مستقلة خاصة، يتحمل أيضاً عبء أشد مما كان عليه: أولاً، يستقبل السودان -كأمر طبيعي و حتمي- عشرات الآلاف الفارين من جحيم الصراع ويفتح لهم أراضيه للإقامة والعمل والإعاشة، وفي ظروف السودان الاقتصادية المعروفة وفي ظل عقوبات اقتصادية غير مبررة فإن العبء يصبح فوق الاحتمال.
ثانياً، يعمل السودان على تسوية الصراع الجنوبي الجنوبي ويبذل في ذلك ما هو فوق طاقته ويتغاضى عن تقاطعات المواقف لدى القادة هناك وأبرزها حلول تعبان دينق محل الدكتور مشار، وعدم ممانعة السودان في قبول هذا التحول المؤثر رغم ما فيه من مترتبات ومن نتائج سياسية غير مواتية.
 السودان استقبل (تعبان ينق) كنائب أول للرئيس الجنوبي من واقع مسايرته لرؤى القادة في جوبا وعدم تدخله -بالرأي والموقف- في شأن الدولة الوليدة. وقد كان باستطاعة السودان أن يتخذ موقفاً مغايراً ولكن حرصه على مسايرة الأوضاع بغية تهدئتها بشتى السبل جعلته يقبل بفرضية الأمر الواقع.
ثالثاً، ومع كل جهود السودان لكي يتم حل الأزمة في جوبا، فإن جوبا لا تتوانى في إيذاء السودان بدعمها المعلن للحركات المسلحة السودانية جميعها، ففي دولة الجنوب توجد قوات قطاع الشمال ومعسكرات حركة جبريل ومناوي وهي جمعيها تقاتل الخرطوم! إذن مجمل القول أن السودان يبني إستراتيجية حسن الجوار وعدم التدخل في الشأن الجنوبي ويتحمل العبء الأمني الأكبر جراء الصراع العبثي في دولة الجنوب. ومع ذلك فإنه لا يجد أدنى مساندة من المجتمع الدولي.
لقد بدا واضحاً أن خطط واشنطن -غير الواقعية- بشأن فصل جنوب السودان لم تكن سوى إضافة أعباء جديدة ينوء بحملها السودان وأثقالاً على أثقاله، وهذه في واقع الأمر أقذر وأسوأ لعبة لعبتها واشنطن وبعض القوى الدولية لإيذاء السودان لمجرد الإيذاء حيث لا تبدو أية حكمة من وراء هذا المسلك، والأنكى من كل ذلك إن الانتهاكات المثبتة التى تقع في جوبا ما تزال بلا أدنى نية للمحاسبة كما فعلت بعض القوى بالسودان، مما يؤكد استمرار سياسة المعايير المزدوجة المعروفة، ففي النهاية تحمل السودان وزرين ليس له فيمها أي مبرر؛ وزر إنهاء الحرب، ووزر احتمال مترتبات إنهاء الحرب مع الجنوب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق